«قارئة الفنجان» لتوقعات سنة 2019

1

 
سليم نصار
 
 
مطلع كل سنة جديدة يتبارى المنجمون في استكشاف أحداثها المقبلة، واستخدام الكرة الزجاجية لاستباق الإعلان عن وقائعها، وإغراق وسائل الإعلام بالقصص الخيالية. وفي لبنان ذاع صيت عرّاف يُدعى ميشال حايك يشغل الناس عادة في تفسير رموز عباراته الغامضة، كالقول إن مصرفاً شهيراً سيفلس، وإن شخصية بارزة ستختفي آثارها عقب حادث سقوط طائرة…
 
 
ومنذ ظهور كتاب الطبيب الفرنسي نوستراداموس (1503-1566) والمنجمون يتبارون في حل ألغازه وفك طلاسمه. وعندما تُرجم الى العربية مطلع الخمسينات حمل الترجمة إلى القاهرة رئيس حزب لبناني ليطلع الرئيس جمال عبدالناصر على فحوى عبارة ملتبسة تقول: «سيخرج من الشرق مارد أسمر يهدد أوروبا». وأصر السياسي اللبناني على إقناع الرئيس المصري الراحل بأن العرّاف يشير اليه قبل ولادته بمئات السنوات!
 
وليس صحيحاً أن المهتمين بهذه الظاهرة هم من الطبقة البسيطة التي يبحث أفرادها عن حظوظهم في فناجين القهوة أو فوق خطوط الأكف. والدليل أن رياض الصلح كان مهتماً بما تقوله البصّارة «فاطمة». ومثله فؤاد عمون، الأمين العام للخارجية الذي كان يسألها عادة عن حظه في الفوز بمنصب رئيس جمهورية لبنان. وكذلك الزعيم الدرزي كمال جنبلاط وغيرهم كثر… ومثل هذا الإدمان النفسي ليس وقفاً على مواطني الدول العربية، وإنما اخترق الحدود ليصل الى مواطني وحكام البلدان الأخرى. ذلك أن سلطان بروناي يُعتبر من روّاد هذه الهواية. لذلك يحرص على استشارة «الغورو» السيامي كلما أراد الإقدام على صفقة أو جولة.
 
وبما أن تجارة التبصير والتنجيم حلت ضيفة على أندية لندن منذ عهد الملكة فيكتوريا، لذلك يقال إن المالك السابق لـ«هارودز» محمد الفايد استعمل هذه الوسيلة بغرض حصوله على المتجر العالمي. وهذا ما دعا منافسه تايني رولاندز الى نشر كتاب عن خلافهما عنوانه «بطل من الصفر».
 
واليوم، سنحاول استنطاق الكرة الزجاجية عن أحوال العالم خلال السنة المقبلة… سنة العبور بعد نحو عقدين من القرن الواحد والعشرين. لنبدأ السؤال المتعلق بالإرهاب العالمي، وهل حركة العنف التي أسسها أسامة بن لادن ستستمر من بعده أم لا؟!
 
الأدلة المتوافرة لدى الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي فاليري ميموريكوف تشير الى قيام تحالف سري بين «القاعدة» و«داعش»، أهم تنظيمين إرهابيين في العالم. والنتيجة الطبيعية لهذا التحالف تؤكد نمو هذين التنظيمين في أفغانستان حيث يصار الى بلورة كيان إرهابي جديد بمساعدة «طالبان» وفروعها المتحكمة بمصادر الضغط من كابول إلى قندهار. من هنا تحذير موسكو من أن التهديد الإرهابي في العالم سيتضاعف سنة 2019 بسبب ازدياد القوة التدميرية الهائلة لدى مثلث الشر: «القاعدة» و«داعش» و«طالبان». ولكن هل تستطيع هذه القوى تأمين أعداد كبيرة من الانتحاريين الذين تجندهم لتحقيق أهدافها المدمرة؟
 
الأمم المتحدة تقدر عدد الذين يعيشون قسراً خارج بلدانهم بأكثر من 250 مليون شخص. كما ترى في الهجرات المتواصلة محركاً وحافزاً لإثارة الخلافات على المستويين السياسي والاجتماعي. ويُجمع المؤرخون على القول إن وقائع الحروب الأهلية، على مدى السنوات السبعين الماضية، كانت مرتبطة بسكان يعيشون على هامش المجتمع في بيئات متردية مزرية. ومثل هذه البيئات يُشكل أرضاً خصبة لنمو حركات التمرد والعصيان. ومنها خرجت العناصر التي انتمت الى «داعش» الذي اشتهر باحتضان أكبر عدد من الساخطين ومرتكبي الفظائع.
 
نشر مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن بحثاً يقول فيه إن عدد الإرهابيين النشطاء في العالم، ولا سيما «داعش» و«القاعدة»، ازداد بنسبة أربعة أضعاف أعدادهما السابقة. وحسب معلومات هذا المركز فإن هناك أكثر من 230 ألف إرهابي جهادي معظمهم في أفغانستان وباكستان وسورية والعراق وغرب افريقيا، وخصوصاً مالي. والسبب في ازدياد عناصر هذه المنظمات قدرة أفرادها على التكيف مع أساليب عملها، والإلمام بوسائل محاربتها بالتكنولوجيات المتطورة. ويرى المراقبون أن الرئيس باراك اوباما أخطأ عندما نقل مركز الثقل في الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا، الأمر الذي سهّل لإيران وروسيا الدخول إلى سورية.
 
في مؤتمر الأمن العالمي الذي عقد في كندا، اعترف رئيس أركان القوات الاميركية سابقاً الجنرال جوزيف دانفورد، بأن الصراع ضد منظمات الإرهاب بعيد جداً عن النهاية. وقال إن مراكز الأبحاث تكتفي بنشاطات الإرهاب لدى السنّة مثل «القاعدة» و«داعش» وفروعهما، لكنها تتغاضى لأسباب مجهولة عن تناول الإرهاب الشيعي الموجه من إيران، والذي يقلق العراق وسورية ولبنان واليمن، إضافة إلى قطاع غزة.
 
وحقيقة الأمر أن الدولة الحاضنة لأخطر المنظمات إرهاباً، أي أفغانستان، هي التي تتحمل أكثر الهجمات دموية. وتشير الأرقام الى أن هذه الدولة خسرت خلال السنوات الثماني الماضية أكثر من 1150 قتيلاً.
 
كذلك استمرت جماعة «بوكو حرام» النيجيرية في حربها على الجيش النظامي والمسيحيين والمزارعين. ومع أن شيخ هذه المنظمة أعلن ولاءه الكامل لـ«داعش»، إلا أن اختفاء أبو بكر البغدادي حرره من التبعية الخارجية.
 
وبما أن ازدياد أعداد المنضوين تحت لواء «بوكو حرام» قد تضاعف خلال سنة 2018 فإن استراتيجية القيادة لسنة 2019 تركز على مهاجمة الثكنات العسكرية النائية. هذا على رغم تعهد الرئيس محمود بخاري بأنه سيستأصل شأفة «بوكو حرام». إلا أن الوقائع أثبتت فشله في هذا المضمار. وآخر عملية قام بها المتمردون انتهت باستيلائهم على قاعدة «ميتيل» العسكرية بكل ما فيها من عتاد ومصفحات ودبابات. أما حصيلة الهجوم فقد انتهت بقتل 60 جندياً بينهم ثلاثة ضباط.
 
على الصعيد الدولي، يُجمع المؤرخون على أن القرن الاميركي الذي ورث قرن الامبراطورية البريطانية، قد دخل مرحلة الأفول في عهد الرئيس دونالد ترامب.
 
ويُستدَل من أبرز المشاريع التي تعزز علاقات بكين التجارية ان مشروع «الحزام والطريق» سيكون أهم ما أطلقه الرئيس شي جينبينغ. والحزام يتمثل بطريق برية تربط امبراطورية الوسط باوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا. إضافة الى طريق بحرية تصل الصين بافريقيا واوروبا عبر المحيط الهندي. ويشارك في هذه المبادرة حوالى 65 بلداً يمثلون 60 في المئة من سكان العالم.
 
ووعد الرئيس شي في قمة دولية نظمها حول مبادرته في أيار (مايو) الماضي بدفع 15 بليون يورو لصندوق مخصص للمشروع. ومن الإنجازات التي تحققها بكين في هذا المجال، ربط سكك حديد بحوتاى 30 مدينة اوروبية. وفي آسيا ستربط طريق بطول 873 كلم الصين بالساحل التايلاندي. كما يتم تمويل طريق بطول 471 ميلاً بين العاصمة نيروبي وميناء مومباسا على المحيط الهندي. وفي باكستان سيتم ربط ميناء جوادر القريب من الحدود الإيرانية بالشرق الأقصى الصيني بعد ترميم طريق يبلغ طوله 500 كيلومتر يربط بكين بالشرق الأوسط.
 
ومن الصين، الدولة المنتشرة على مستوى امبراطورية متجددة، ننتقل الى بريطانيا الدولة التي تبحث عن هوية جديدة بعد استفتاء صيف 2016. والسبب أن الغالبية فازت مع الداعين إلى الخروج من الاتحاد الاوروبي. وقد صوّت المواطنون في حينه بنسبة 52 في المئة في مقابل 48 في المئة على الخروج من الاتحاد الاوروبي (بريكست). والثابت أن رئيسة الوزراء تريزا ماي كانت ميالة هي أيضاً الى الانسحاب من هذه التبعية. والدليل أنها واجهت منتقديها بإجراء سلسلة مفاوضات معقدة ومريرة استغرقت سنة ونصف السنة بهدف إنهاء عضوية استمرت أكثر من 46 سنة.
 
وهكذا أصيبت بريطانيا بشلل تام بسبب خلافات الحزبين التي انعكست آثارها على الشارع. وفي خطبة ألقاها زعيم حزب العمال جيريمي كوربن أمام أعضاء البرلمان، وضع كل مسؤولية البلبلة على ماي التي أمضت نحو سنتين في التفاوض على اتفاق سيئ. وتوقع كوربن أيضاً بقاء البلاد ممزقة الى حين القبول بإجراء انتخابات جديدة. وبحسب زعمه فإن الاستفتاء السابق كان مرتجلاً وغامض الأهداف.
 
المفاجأة الأخيرة لقارئة الفنجان ستأتي من كوريا الشمالية، حيث وعد الزعيم كيم جونغ أون بمرحلة انفتاح غير مسبوقة في بلده. وأعلن أنه سيبدأ بالسياحة الشتوية لأن قمم التزلج أصبحت جاهزة لاستقبال الزوار!
 
* كاتب وصحافي لبناني.

التعليقات معطلة.