شهرة خطرة

1

 
تغريد الطاسان
 
 
على رغم أن استغلال الأطفال للشهرة والتكسب المادي بات جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أننا نلاحظ أنها ممارسات أصبحت في ازدياد، حتى إنها تكاد تكون ظاهرة بدأت تنتشر في مجتمعنا حتى أصبحنا في خوف أن تؤذيه.
 
 
أطفال أصبحت الإعلانات لديهم بآلاف مؤلفة من الريالات في حساباتهم التي تقوم على استعراض أجسادهم بالرقص بطريقة مقززة أو إعطاء دروس في المكياج الذي لا يتناسب أبداً مع أعمارهم، أو أحاديث إما سامجة أو فاحشة مع سب بذيء يصاحبه غرور مقيت لكل من يعترض على محتوى حساباتهم الفارغة، فما هي أسباب ذلك؟ هل هي الجرأة التي أصبحت سمة أطفال هذا العصر نتيجة تقلص الدور التوجيهي والرقابي للأسرة الذي تواكب مع ثقافة الانفتاح التقني والتكنولوجي وثورة التواصل وألعاب العنف والتحديات وغيرها، ما أثر كثيراً على بساطة حياة الأطفال وتدرج مدركاتهم المكتسبة، أم أنها نشوة المال التي أدت تفريط الأهل مع عدم إدراكهم لخطورة الزج بأطفالهم وسط طواحين الشهرة التي تسحق براءتهم وطفولتهم فتنشأ لديهم استقلالية مبكرة يصعب معها السيطرة عليهم بالنصح والتوجيه أو حتى العقاب، أم أنها فعلا كما اعتدنا أن نسمع، مخططات خارجية تستهدف أطفالنا بطرق غير مباشرة لزرع العنف في نفوسهم، وكذلك غرس ثقافات خارجية تسحب منهم شيئاً فشيئاً الهوية الوطنية والمجتمعية ليسهل بعدها استمالتهم واستخدامهم لضرب أوطانهم؟ الأسباب تتنوع وحصرها شبه مستحيل لكثرتها وكذلك لتطورها وكثرة مستجداتها التي تمشي بخط متوازٍ مع تطور التكنولوجيا الرقمية والشبكات العنكبوتية وبرامج التواصل العالمية.
 
لو فكرنا قليلاً بوجود الأطفال والمراهقين في مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة وتخيلنا نتائجها لوجدنا أن جرأة الطرح التي يقدمها هؤلاء ستجرهم إلى التطرف في التمرد على القيم الشرعية والمجتمعية، وبالتالي سيواجه ذلك بتطرف في مواجهة هذه التجاوزات، وهذا شيء متوقع في دولة مترامية الأطراف متعددة الثقافات، ما سيكون له أثر سلبي لا يخدم حرب الدولة على التطرف بأنواعه الذي تهدف من خلاله إلى خلق مجتمع وسطي متوازن.
 
كما قلنا سابقاً، المحتوى المقدم والذي للأسف يكون بمباركة الأهل غالباً ما يكون بعيداً تماماً عن الهوية الإسلامية ولا يحمل الشخصية السعودية، وهذا سيسبب اضطرابات خطرة عند هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين يعيشون في مجتمع توجهاتهم الفكرية ستجعلهم غرباء فيه، وهو ما سيجعلهم صيداً سهلاً لكل من أراد محاربة الوطن من الداخل وضربه بأيد أبناءه.
 
إضافة إلى ذلك، كيف لنا أن نحلم بجيل قادم يعتمد علية الوطن ويراهن، فرؤيانا وحلمنا السعودي الحالي يهدف إلى خلق جيل منتج فعال ينهض بهذه الرؤية ويترجمها إلى واقع ويحافظ على نتائجها، فهل نتوقع ذلك من جيل كسول استحلى مذاق الشهرة الواسعة والربح السريع بمحتوى كلما تعمق في الفراغ والسطحية كانت مكاسبه أكثر ربحية! وهنا يمكن أن نقول ان طوفان الشهرة السريع -بمكاسبه المادية الخيالية- سيجرف معه كل قيمة سامية للعمل والجد والتفكير والابتكار، فتصبح الأهداف فردية لا مجتمعية والطموحات شخصية لا وطنية.
 
الحرب الإعلامية الأخيرة على الوطن الغالي تجعلنا نبحث فيما بين سطور الهجمات الإعلامية المسيئة لنعرف أين الخلل ونحاول سد الثغرات التي قد تكون منافذ لهجمات أكثر شراسة لنحمي وطن عزنا ورفعتنا، لذلك يجب أن نبحث عن حلول ترتق الشقوق قبل أن تتسع.
 
من أهم هذه الحلول عدم التراخي في تطبيق قوانين تجريم استخدام الأطفال أقل من 18 عام عند الظهور بمشاهد أو مقاطع لا تتناسب مع الذوق العام، ومساءلة ولي أمره قانونياً وتطبيق العقوبات التي قد تصل إلى السجن والغرامة من دون رحمة، وذلك لن يكون حتى يتم تفعيل دور الجهات الرقابية على الطرح غير الرسمي في وسائل التواصل ومحاسبتها بشدة عند أي تقصير في مراقبة المحتوى المطروح.
 
من الحلول أيضا تكثيف الجهود لزيادة الوعي عند الأهل والطفل لخطورة هذا الأمر وتأثيره السلبي علينا كأفراد وكمجتمع، وكذلك تجفيف منابع تغذية هذه الشهرة بمحاسبة المعلن في حسابات هؤلاء الأطفال لأن في استخدامهم كوسيلة للدعاية مخالفة صريحة للقانون حتى لو كان ذلك برضى الأهل.
 
من المهم أيضاً ألا نقتل مواهب الطفل التي صنعت له هذه الشهر، لذلك يجب أن ننمي هذه القدرات بحيث تتبنى جهات مختصة هذه المواهب وتعيد توجيهها إيجابيا بما يخدم الطفل نفسه ومجتمعه ووطنه.
 
الحديث بهذا الموضوع يطول، فالطفولة براءة ونقاء لا يجوز خدشها، وكل إنسان ناضج ناجح غالبا ما تكون بدايته طفلا مكتمل الطفولة من دون قفز فوق حواجز العمر أو خدش لشفافية الطفولة، فلنحذر من العواقب لسلامة أبنائنا وسلامة وطننا!

التعليقات معطلة.