وليد خدوري
يؤخذ بالاعتبار الاقتصاد والسياسة عند تشييد أنابيب النفط التصديرية والعابرة للدول، كما تلعب الخطوط دوراً خلال الحروب. ودوّن المستشار النفطي للإدارة والقوات الأميركية في العراق بين عامي 2003 و2011 دون غاري فوغلر الأبعاد الجيوسياسية للانابيب الإقليمية في حرب عام 2003. ونشر عام 2017 تجربته النفطية في العراق في كتابه «العراق وسياسة النفط»، كما نشر مقالاً في 3 الجاري في الدورية النفطية «اويل اند غاز جورنال»، شرح فيه بالتفصيل دور الأنابيب التصديرية في حرب 2003.
وجاء في المقال أن هناك 3 طرق لتصدير النفط الإيراني عبر شرق المتوسط الى أوروبا، الأولى عبر قناة السويس او خط أنبوب «سومد» في مصر أو خط ايلات – عسقلان الذي شيد عام 1970 بالشراكة بين ايران في عهد الشاه وإسرائيل. وأتاح خط ايلات نقل النفط الإيراني عبر اسرائيل إلى السوقين الأوروبية والإسرائيلية. وتولت مسؤولية الخط شركة إيرانية-إسرائيلية مشتركة، ولكن إسرائيل بادرت إلى وضع اليد على الخط بعيد الثورة الإيرانية عام 1979. ولعب الخط دوراً مهماً في تحقيق أمن الطاقة لاسرائيل، ما دفع السلطات الإسرائيلية إلى فرض سرية تامة على المعلومات المتعلقة بالخط. وفي نهاية عام 1979، رفعت ايران دعوى قضائية ضد إسرائيل لوضعها اليد على الشركة، وربحت الدعوة في هيئة للتسويات القضائية في سويسرا التي حكمت عام 2016 بدفع إسرائيل تعويضاً قيمته 1.2 بليون لايران مقابل حصتها في الخط. وتوسعت شركة الانابيب وامتلكت مصافي اجنبية ، كما اصبحت الملاذ للنفوط الخام التي تهرب إلى إسرائيل من دول إقليمية لم تجد اسواقاً تقليدية لها. ونظرا للاهمية الأمنية للخط لإسرائيل، شرع الكنيست قانوناً نهاية عام 2017 باعتقال لمدة 15 عاماً من يفشي معلومات أو اسرار عن الشركة.
يذكر فوغلر أن هذا الخط هو المصدر الأهم لثروة التاجر النفطي مارك ريتش بين عامي 1970 حتى 1994. وأعفى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ريتش في كانون الأول 2001 لتهربه من دفع 100 مليون دولار من ضرائب الدخل. ولكن ريتش اسم شركته المسجلة في سويسرا بعد الاعفاء وأسس شركة «غلين غور» للتجارة النفطية عام 1995، وهي من أكبر شركات تجارة النفط في العالم. وذكر ريتش في كتابه حول سيرته الذاتية أنه «صديق حميم للموساد»، ومعظم ثروته مصدرها بيع النفط الإيراني عبر خط ايلات إلى مصافي أوروبية. واستطاع ريتش التجارة بالنفط الإيراني حتى بعد حصار عام 1979 وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي. وكان مدير إدارة مكتب نائب الرئيس ديك تشيني لويس ليبي، محامي ريتش طوال هذه الفترة.
وفقدت «غلين غور» عقد النفط الإيراني في منتصف التسعينيات بعد مغادرة ريتش الشركة، والذي أدت استقالته الى زيادة سعر النفط في اسرائيل نحو 25 في المئة مقارنة بالأسعار العالمية في حينه.
واقترح الدكتور احمد الجلبي وعوداً عدة لمتنفذين في اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. وبحسب فوغلر، «من ضمن وعود الجلبي إعادة فتح خط كركوك-حيفا مقابل مساعدتهم في استعمال القوات الأميركية لازاحة نظام صدام حسين». وعمل خط حيفا بين عامي 1934 و1948، حين قررت الحكومة العراقية تفكيكه، وامتد حتى محطة الضخ في حديثة (غرب العراق)، وتفرع من هناك الى حيفا، حيث الانتداب البريطاني على فلسطين وفرع آخر الى طرابلس، حيث استمر التصدير عبر لبنان.
يذكر المؤلف ثلاث وسائل ساعد البنتاغون بها أجندة الجلبي النفطية مقابل تعهده إعادة تشغيل خط حيفا، وهي «فتح خط سري ومباشر ما بين الجلبي في بغداد ومكتب نائب رئيس الجمهورية في واشنطن، ومساعدة وتدريب قوات عراقية من اللاجئين بقيادة الجلبي، وتدمير خط كركوك-بانياس عبر سورية». وتعهد الجلبي مقابل هذه المساعدات تزويد واشنطن بمعلومات قيّمة، بينها معلومات عن أسلحة بيولوجية خاطئة، استعرضها وزير الخارجية كولن بأول في كلمته أمام مجلس الأمن في شباط (فبراير) 2003.
يذكر فوغلر ان خطط الجلبي لخط حيفا شملت توسيع طاقة الخط الى اكثر من مليون برميل يوميا، ما كان سيكلف بلايين الدولارات. وكان بنيامين نتينياهو وزير المال عام 2003، حين زار لندن لمناشدة المؤسسات المالية توفير القروض.
ولعب خط كركوك – بانياس الذي تم تشييده في 1952 ويمر عبر سوريا دورا منافسا لخط حيفا. لحق خط بانياس بعض الاضرار في حرب الخليج الأولى في 1991 . واعيد التصدير من بانياس في 2000 بطاقة محدودة حوالي 300 ألف برميل يوميا . طالب ممثل اليمين الجديد في لجان التخطيط للحرب في البنتاغون، التي شارك فيها فوغلر، إيقاف الضخ من خط بانياس عقابا لسورية لمساعدتها العراق خلال حصار التسعينات. عارض فوغلر الاقتراح، وأشار إلى أنه لم يعرفوا في اللجان في حينه أن ممثل اليمين الجديد ماكوفسكي» لديه علاقات قوية مع إسرائيل والموساد». وعرفوا لاحقا انه كان قد التحق سابقا في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي. وكانت اللجنة الأميركية-الإسرائيلية للعلاقات العامة «ايباك» رشحته لمنصبه في البنتاغون في صيف 2002.
ووافقت لجنة التخطيط في البنتاغون على اقتراح فوغلر بعدم نسف خط بانياس، كما وافق الرئيس بوش على الاقتراح نهاية 2002، معتبراً أن الاستمرار بالضخ يسمح بمقايضة سورية للتعاون لاحقاً. ولكن هيمنة اليمين الجديد على إدارة بوش غير هذه السياسة، اذ كان هدفهم ضعضعة الاقتصاد السوري وتقوية إسرائيل، فاتصل وولفويتز بالقيادة العسكرية الأميركية في العراق وأمر بنسف خط بانياس على عكس أوامر بوش. ويضيف فوغلر: «مع تدمير خط بانياس في نيسان (أبريل) 2003، اعتقد الجلبي ان الباب أصبح مفتوحاً له لاعادة خط حيفا، وواجهت الحلبي عقبة أن خط حيفا تم تفكيكه في محافظة الانبار، وتم نقل معظم أجزائه او تصدأ ما تبقى منه».
وتابع فوغلر: «بادر موظفي وزارة النفط العراقية الذين قرأوا في وسائل الاعلام العربية عن نية الأمريكيين ضخ النفط الى حيفا، بادروا بالهجوم على ما تبقى من الخط وتدميره. أدى الهجوم الى اغلاق مصفاة الدورة، ما أدى بدوره الى شح المنتجات البترولية في بغداد». وأضاف: «لم نفهم في بادئ الأمر سبب نسف الانابيب، كنا نعرف ان المنفذين للعمليات من كادر الصناعة النفطية، فخرائط الانابيب محصورة التوزيع على الموظفين النفطيين فقط، ولكن مع اشتداد أزمة شح الوقود في بغداد، أصبح واضحاً للجلبي ولليمين الجديد في واشنطن سبب المشكلة المستعصية». ولم يكن من الممكن تأهيل خط حيفا، كما لم يكن بالإمكان تصدير النفط الى إسرائيل، فالعراقيين لن يقبلوا بهذا وبلادهم في حرب مع إسرائيل منذ العام 1948. ولذلك يتوجب التفكير بخطة بديلة لتصدير النفط العراقي إلى إسرائيل، فأمر الجلبي وزارة النفط في أيلول 2003 ببيع النفط لشركة «غلين غور»، التي صدرت النفط العراقي إلى اسرائيل.
* كاتب عراقي متخصص في شؤون الطاقة.