أسامة نورالدين :
مرحلة جديدة تعيشها الولايات المتحدة الأميركية تحت قيادة الرئيس “دونالد ترمب” الذي لا يتوانى عن قلب الموازين والتخلي عن الثوابت والاستحقاقات التي تكفل للولايات المتحدة قيادتها للمجتمع الدولي، فعلى مدار التاريخ كانت القوى العظمى تدفع ثمن قيادتها للعالم، ذلك الثمن الذي يكفل لها الولاء والقدرة علي تحقيق أهدافها، وهي في ذلك لا تقدم خدمة للغير بقدر ما تحافظ علي مصالحها، وتهيئ الأجواء التي تساعدها في قيادة العالم، وغيابها يعني فقدان الكثير من الأوراق التي كانت تستخدمها الإدارات الأميركية في السابق لتسويق رؤاها واستراتيجيتها في الخارج.
ولذلك فإن تهديدات الرئيس ترمب المستمرة بقطع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للعديد من الدول خاصة في منطقة الشرق الأوسط مثلما فعل مع منظمة الأنرو والسلطة الفلسطينية وباكستان وغيرها من الدول، لن يضر بتلك المؤسسات ولا بهذه الدول بقدر ما يضر بسمعة ومكانة الولايات المتحدة التي بدأت بالفعل بالتراجع لصالح قوى أخرى علي رأسها الصين وروسيا، ليس هذا فحسب، بل وسيضر في المستقبل بالمصالح الأميركية بعد أن يحل هؤلاء الشركاء محلها في مناطق النفوذ الإقليمية والدولية ويسيطروا علي منافذ التجارة العالمية في الشرق الأوسط.
ويعتبر ما يقوم به ترمب اليوم سابقة لم تحدث منذ بدء مشروعات المساعدات الأميركية علي يد وزير الخارجية الأميركية “جورج مارشال” بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أطلق مشروعه الخاص بتقديم منح مالية باسم الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوروبا، والذي لولاه لما استطاعت أوروبا الوقوف علي قدميها من جديد، ومساعدة الولايات المتحدة في كافة الصراعات الدولية خاصة خلال فترة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي.
ويشمل برنامج المساعدات الأميركية أكثر من مائة دولة حول العالم، تقدمه “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” التي أنشأها الرئيس الأميركي جون كينيدي عام 1961م، ويسهم هذا البرنامج في تعزيز المصالح الأميركية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتعزيز القيم الديمقراطية، وتتراوح قيمة تلك المساعدات ما بين 20 و30 مليار دولار كل عام، وهي أخذة في التناقص شيئا فشيئا،
ووفق الإحصائيات التي تقدمها “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”، يأتي العراق في صدارة الدول العربية التي تتلقى معونات أميركية، إذ حصل عام 2016م على 5.28 مليار، 89% منها للمجال العسكري، بينما تحصل مصر علي 1.23 مليار، 89 بالمئة منها مخصص للمجال العسكري، و11 بالمئة المتبقية تتجه للمجال التنموي. ويحصل الأردن على 1.21 مليار، وتحصل السلطة الفلسطينية على 416 مليونا مخصصة للموضوعات التنموية.
وبالنظر إلى ميزانيات تلك الدول سنلحظ أن قيمة المعونة الأميركية مقارنة بتلك الميزانيات تبدو ضئيلة وغير مؤثرة ويمكن الاستغناء عنها، ما يعني أن الفائدة الأكبر من بقاء المعونة إنما يعود علي الولايات المتحدة، التي تحصل مقابل هذا على تسهيلات كبيرة خاصة فيما يتعلق بحرية الحركة واستغلال الممرات المائية وفضاء تلك الدول لعبور بوارجها الحربية وطائراتها العسكرية، فضلاً عن تعاون تلك الدول مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.
ويعني ذلك أن الولايات المتحدة والإدارات الأميركية المختلفة لا تمن علي أي دولة أو مؤسسة دولية بما تقدمه لها من معونات مستحقة عليها، لأن هذا أقل ثمن يمكن أن تقدمه مقابل قيادتها وما تحققه من مصالح استراتيجية في مختلف مناطق العالم مقابل هذا الثمن الزهيد بالحسابات الدولية، ولذا فإن وقف تلك المعونات في النهاية لن يضر سوى الولايات المتحدة ومكانتها في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
كاتب وباحث علاقات دولية