القضية الفلسطينية وصناعة الرأي العام

2

د. أسامة نورالدين:

قبل نشأة إسرائيل بفترة طويلة والدعاية الصهيونية تحاول صناعة الرأي العام العالمي بالشكل الذي يصب في صالح بناء الدولة الإسرائيلية، وذلك من خلال نشر العديد من المزاعم والأكاذيب التي من شأنها أن تكسبهم التعاطف والتعاضد وتجلب لهم الدعم الدولي، وتشجعهم على الاستمرار في مخططات بناء الدولة المزعومة، ومن ذلك الادعاء بأن فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وغيرها من الدعاوى والأكاذيب التي نجحت في تأليب الرأي العام العالمي على الشعب الفلسطيني، وعدم الاكتراث للمجازر الوحشية التي ارتكبها ويرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
ونجحت وسائل الإعلام الإسرائيلية في أن تبث أفكارا مغلوطة لتشويه صورة الفلسطينين، فضلا عن تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وذلك من خلال وصفهم للعرب والمسلمين بالبربرية أحيانا وبالإرهاب أحيانا أخرى، وأن خطرهم لا يقتصر فقط على تهديد الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وإنما يتعدى ذلك إلى الرغبة في هدم الحضارة الغربية.
وساعدهم في ذلك الآلة الإعلامية الضخمة التي يمتلكها أقطاب الصهيونية والتي نجحوا من خلالها في ترويج أفكارهم في أوساط الرأي العام الأوروبي والأميركي، يضاف إلى ذلك مشكلة المهاجرين وتحميلهم أسباب البطالة والإرهاب التي ضربت المجتمعات الغربية في الآونة الأخيرة، واعتبار هؤلاء الوجه الحقيقي للإسلام والمسلمين، واستغلال تزايد أعداد المسلمين في أوروبا والتي وصلت إلى عشرة ملايين مسلم، لزيادة الهواجس الخاصة بزحف الإسلام على أوروبا لاقتلاع جنات الرفاهية الاجتماعية التي يعيشها الغرب.
لذلك نلحظ دور الرأي العام الأوروبي والأميركي الكبير في دعم المشروع الإسرائيلي، ومساعدة اللوبيات الصهيونية في توصيل المؤيدين لمشاريعهم للمجالس النيابية، سواء في أوروبا أو أميركا، بل والضغط على رؤساء الدول خصوصا الولايات المتحدة من أجل تبني قرارات داعمة لمواقفهم ومدافعة عن الانتهاكات التي يرتكبونها، سواء في حق الفلسطينيين أو في حالة التعدي على الأراضي والمقدسات الإسلامية في القدس.
ولمواجهة هذا، على العرب والمسلمين أن يعملوا من أجل المساهمة في صناعة الرأي العام العالمي بنفس الطريقة التي برع فيها الصهاينة، لإقناعه بسماحة الإسلام وبعدالة القضية الفلسطينية، وبأن ما يقوم به الإسرائيليون بحق الشعب الفلسطيني، يشبه إلى حد كبير الهولوكوست الذي أقامه هتلر لليهود في أربعينيات القرن الماضي، بل ويفوقه بشاعة في بعض الأحيان، والحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن عشر سنوات هو خير دليل على ذلك، ناهيك عن الحروب والمجازر التي لا تتوقف.
وعلى عكس ما يعتقد البعض، لا يعد هذا أمرا صعبا أو مستحيلا، فالشعوب الغربية لديها من الوعي ما يمكنها من التمييز في عصر العولمة ما بين الحقيقة والادعاء، ويكفينا للتدليل على ذلك الذعر الذي أصاب الشركات العاملة في المناطق المحتلة بعد إعلان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قائمة سوداء تحتوي على أسماء شركات أميركية وإسرائيلية تعمل في المناطق الفلسطينية المحتلة، مما أثار حالة من الذعر في أوساط اللوبي الصهيوني بسبب خوفه من تأثير ذلك على تلك الشركات ودفعها للخروج من تلك المناطق، وانعكاس ذلك السلبي على الرأي العام.
لقد حدث تطور كبير في الوسائل الإعلامية ولم يعد الرأي العام أسير الشاشة الصغيرة ولا أجهزة المذياع التي كان يستقي منها الأخبار في السابق، بل بات من السهولة الحصول على المعلومة من مصادرها الأصلية، خصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تجعل بمقدور الجميع توصيل ما شاءوا من رسائل وبأقل الإمكانات الممكنة، وهذا ما يتعين على العرب عموما والفلسطينيين على وجه الخصوص الاستفادة منه لصياغة رؤية واستراتيجية جديدة لتصحيح الصور المغلوطة عنهم لدى الغرب، ومنع العدو الإسرائيلي من الاستمرار في تشويه الصورة وتضليل العقل الغربي بأوهام زائفة تضر بعدالة قضاياهم وتسهم في استمرار العدو الإسرائيلي في ارتكاب جرائمه الوحشية دون خوف.

كاتب وباحث علاقات دولية

التعليقات معطلة.