الثورة السورية… الدولة السورية؟

1

 
فيصل العساف
 
شكّلت عودة بعض السفراء الخليجيين إلى سورية صدمةً للوهلة الأولى، وكان ذلك سبباً وجيهاً لاستحضار الذاكرة العربية مشاهد الكيماوي والبراميل المتفجرة المروعة. البعض يقول: ما هي فرص عودة بشار الأسد إلى حاضنة العرب؟
 
إذ إن احتمالات «عدوله» عن المضي قدماً في ركب إيران، التي تمكنت من وضع قدمها في الشام كلاعب رئيس تبدو ضئيلة جداً! القبول بهذا الرأي ممكن لولا التحولات الدولية باتجاه تضييق الخناق على الإيرانيين، إضافة إلى اليد الروسية القوية في سورية، التي جعلت من الرفض على طاولة الحوار بديلاً للرفض بالبندقية أمراً ممكناً، وهو ما وضع المتطلعين الإقليميين إلى استقرار سورية، بين مطرقة مصلحتها التي تدفع ناحية القبول بالأسد، وسندان تراكمات القضية السورية الذي يعمق الهوة.
 
بعد هذه المدة الطويلة، كان لزاماً على الخليجيين – تحديداً- مقاربة الواقع قدر الإمكان، ما دامت خلافاتهم مع بشار الأسد من أجل سورية فقط، بدليل أن التباين العميق في الرؤى بين فريق يدعو إلى وضع الأمور في نصابها الصحيح فقط، بعيداً من مراوغات الفريق الآخر، الذي جعل من الممانعة شماعة للتحالفات المشبوهة وخطة تضمن البقاء أطول وقت ممكن، لم يكن من أسباب القطيعة التي حدثت لاحقاً! «ربيع» العرب الذي حضر بلون الدم الفاقع في سورية، عندما اضطر الأسد الجميع إلى التخندق في معسكر مخالفيه، بممارسات نظامه وحلفائه الإجرامية التي فاقت التصورات، وحده الذي أفسد للود قضية.
 
 
في هذا السياق، لا يمكن أن نستثني دور الجماعات الإسلامية في حرف مسيرة «تقليد» الثورات العربية في نسختها السورية عن مسار المطالب السلمية، إلى مواجهات مسلحة باسم الإسلام!
 
وعلى طريقة أيهما أولاً البيضة أم الدجاجة، يمكن الحكم على المتسبب في ما آلت إليه سورية، هل هو النظام الذي بدأ الفتنة بإشعاله فتيل القتل والتنكيل؟ أم تلك المجاميع المتطرفة -الجاهزة- التي استولت بالقوة على ما تسمى «الثورة»؟ بخاصة أنها قدمت للنظام شرعية الحرب عليها على طبق من ذهب، وفي معيتها طموحات السوريين «الصغيرة» التي أغرقها طوفان المصالح! على كلٍّ، في منطقتنا العربية الساخنة جداً، نحن نحتاج إلى التوقف لالتقاط الأنفاس أكثر من أي شيء، رحلة استكشاف المجهول لم تعد متاحة عربياً، الجميع منهك، فالأحداث التي مرّت على منطقتنا كانت بمثابة الدرس القاسي الذي لم يستثنِ أحداً.
 
على رغم استقراره، دفع الخليج ممثلاً في محور السعودية – الإمارات فاتورة انتكاسات العرب الذين بذلوا الكثير من التضحيات في طاولة «الرهان» على أوطانهم! مأساة التونسي الذي «هرِم» في انتظار زوال الرئيس زين العابدين بن علي، ثم استفاق من حلم جنة الثورة ليجد نفسه تتلظى في جحيم القوى السياسية المتصارعة، حاضرة لا تغيب.
 
لم يكن الخليجيون في وادٍ، والسوري الذي هجر بيته وأرضه وجثث قتلاه على قارعة طريق الحرية المزعوم في وادٍ آخر، ما يعني أن إرادة التطبيع مع الأسد تسعى إلى الإسهام في محاولة الإنعاش، وهي مسكونة بالتوجس بعد سنوات نجح خلالها النظام السوري في شق طرق الانقسام واللاعودة، إلا أن التقدم خطوة إلى الأمام يبدو الحل الأنسب في لعبة الخيارات المستحيلة.
 
* كاتب سعودي.

التعليقات معطلة.