أطفال العراق يتركون المدرسة

1

زيد سالم

ترتفع نسبة التسرب المدرسي في العراق وقد وصلت إلى 25 في المائة. نسبة يحذر الكثير من المعنيين من خطورتها

من خلال متابعة البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية العراقية، المعنية بإدارة شؤون المدارس الابتدائية والثانوية وتوفير الأجواء الدراسية المناسبة للتلاميذ، يظهر أن نسبة تسرب التلاميذ ارتفعت إلى معدلات خطيرة، ما يهدد مستقبل الأجيال الجديدة والعملية التعليمية في البلاد. ووصلت نسبة التسرب في عام 2016، بحسب الوزارة، إلى 6 في المائة في عموم محافظات البلاد، يضاف إليها التلاميذ النازحون الذين اضطروا إلى ترك مدنهم بسبب احتلالها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والمعارك التي قادها التحالف الدولي للقضاء على التنظيم. في ذلك الوقت، أعلنت الوزارة أن النسبة خطيرة وتستدعي تشكيل لجنة مشتركة مع وزارة حقوق الإنسان والمفوضية العليا لحقوق الإنسان وبعض المنظمات الدولية، والعمل للقضاء على ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس الابتدائية خلال العام المقبل”، أي عام 2017.

لكن اللجان التي أعدتها وزارة التربية لم تنجز شيئاً، غير التراجع في العمل، في ظل زيادة نسبة التسرب. في سبتمبر/ أيلول عام 2017، أعلن وزير التربية محمد إقبال أن “ظاهرة التسرب تتنافى مع قانون التعليم الإلزامي”. وذكرت الوزارة أنها تسعى إلى إعادة التلاميذ المتسربين إلى مقاعد الدراسة، فضلاً على أُولئك الذين اضطروا إلى ترك التعليم بسبب العمليات العسكرية التي شهدتها مناطقهم، وأطلقت مشروعاً حمل عنوان “حقك في التعليم”، من دون أن يؤدي إلى نتائج ملموسة.

وخلال العام الماضي، كشف إقبال أن تسرب التلاميذ من مدارسهم ورسوبهم يؤدي إلى هدر 1.5 مليار دينار (نحو مليون و260 مليون دولار أميركي)، أي ما يعادل 8.18 في المائة من الميزانية المخصصة للتعليم في عام دراسي واحد.

ويستمر تدهور قطاع التربية والتعليم في العراق، ما يزيد من احتمالات التسرب من جراء الإهمال الحكومي للقطاع، فضلاً عن المعاملة السيئة التي يتعرض لها التلاميذ، خصوصاً في مدارس العاصمة بغداد ومناطق الوسط والجنوب.

في هذا السياق، يقول وليد الحمداني الذي ترك المدرسة قبل إنهاء المرحلة الابتدائية، لـ “العربي الجديد”: “الدراسة في العراق لا تؤمن مستقبلاً جيداً. حتى لو أنهيت دراستي، لن أحصل على وظيفة حكومية تضمن لي حياة كريمة، إلا إذا كنت منتمياً لحزب أو جهة سياسية أو أمنية. في الوقت الحالي، أحتاج إلى العمل أكثر من الدراسة، لأنه يوفر لي المال للعيش”.

من جهته، يقول مدير مدرسة الجواهري في بغداد منذر الباوي: “تلاميذ العراق يعتقدون أن مستقبلهم مجهول، إذ يسمعون من أهلهم أن البلاد تعاني خراباً، ويسمعون قصص الخريجين العاطلين من العمل، ما يؤثر سلباً عليهم. البطالة باتت تجعل الآباء والأمهات أقل اهتماماً بتعليم أولادهم. يضاف إلى ذلك الأوضاع المذرية لبعض المدارس لناحية النظافة وغيرها من الأساسيات التي تجعل التلاميذ يدرسون في أجواء غير ملائمة”. ويبين لـ “العربي الجديد” أن “المدارس تعتمد على مجالس الآباء والمدرسين التي تعد منطلقاً مهماً وأساسياً لبحث المشاكل الخاصة بالتلاميذ، ما يساهم برفع مستوى التنسيق بين العملية التربوية والواقع الاجتماعي. وخلال السنوات الأخيرة، شهدت المجالس تراجعاً في ما يتعلق بحضور الآباء إلى المدارس والتعاطي مع إدارات المدارس”.

إلى ذلك، يقول المشرف التربوي باسم الشمري: “كان على الحكومة العراقية التركيز بشكل كامل خلال مرحلة ما بعد داعش، على قطاع التربية والتعليم، وبالتنسيق مع النقابات والبرامج الأممية، إلا أننا فوجئنا أن موازنة التربية 2 في المائة من الموازنة العامة للبلاد، الأمر الذي يفسر عدم وجود أي قدرة على النهوض بواقع التعليم في العراق، وكأن الحكومة تريد تحطيم البلاد والأجيال”. ويوضح لـ “العربي الجديد” أن “قضية تسرب التلاميذ من المدارس خطيرة جداً ومسؤوليتها تقع على عاتق كل الوزارات. كما أن مكاتب الصحة المدرسية لها دور كبير بهذا الشأن من خلال لجنة مشكلة بين وزارتي الصحة والتربية لمتابعة الأوضاع الصحية والاجتماعية والنفسية للتلميذ، ودراسة ما يعانيه من مشاكل وأعباء نفسية تؤدي إلى تسربه”.

يتابع أن غالبية مدارس العاصمة بغداد تشهد تسرباً من المدارس، في ظل فشل وزارة التربية والجهات المسؤولة في وضع حد لهذه الظاهرة. وما يثير الاستغراب أن هذه الظاهرة لا تقتصر على التلاميذ الذكور فقط”، عازياً السبب إلى الأجواء غير الملائمة للتلميذ، عدا عن الملل وغياب الرقابة من قبل الجهات المعنية والأهل، إضافة إلى العنف المدرسي والمعاملة السيئة التي يتعرض لها التلاميذ من قبل الكوادر التعليمية.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، بيَّنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أن ظاهرة التسرب من المدارس أصبحت تشكل خطراً كبيراً على حقوق الطفل في العراق، وقد تؤدي الى الاستغلال غير المشروع للأطفال الذين يقعون ضحايا للمجرمين والجماعات الإرهابية. وتقول المفوضية في بيان إن “عدد المدارس الابتدائية المتضررة من العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في محافظة نينوى وحدها بلغ 76 مدرسة، في وقت بلغ عدد المدارس التي تعتمد دوامين 700 مدرسة ابتدائية و255 مدرسة ثانوية”. وبحسب البيان، فإنّ “المتسربين من مدارس نينوى بلغوا 13 ألفاً و449 تلميذاً، عدا عن المناطق الأخرى التي شهدت موجات نزوح وغيرها”.

وتقول عضوة لجنة التربية في البرلمان العراقي أجيال الموسوي، لـ “العربي الجديد”، إن “نسبة التلاميذ المتسربين من المدارس لعام 2018 بلغت 25 في المائة، وهي نسبة مخيفة”. تضيف أن “أسباباً كثيرة تقف خلف تسرّب التلاميذ، إذ إن أوضاع المباني المدرسية سيئة، فضلاً عن استقبال بعض المدارس التلاميذ في ثلاثة أوقات مختلفة. كذلك، فإن الصف الواحد الذي كان يستوعب ثلاثين تلميذاً بات يضم ستين إلى سبعين تلميذاً، الأمر الذي يتنافى مع الشروط الأساسية للدراسة في العالم”. وترى أنه “يجب على العراق تفعيل قانون التعليم الإلزامي. لكن الحكومة تدرك أنها في حال فعلت ذلك، فإنها لن تستطيع توفير الأجواء المناسبة للتلاميذ”.

التعليقات معطلة.