احمد صبري
في خاتمة كتابه الموسوم ـ الإعلام والسياسة ـ العلاقة الملتبسة ـ استعان مؤلفه الدكتور صباح ياسين أستاذ الإعلام والباحث السياسي بمقولة المفكر العربي عبدالإله بلقزيز ـ ليس للتاريخ قدر أعمى يفاجئ ويأخذ الناس غلابا إنه الناس والعلاقات والمصالح والأفكار والإرادات وقد تبدلت وتصارعت وانحكمت بقانون القوة، وهو يتغير قطعا كلما توفرت القوة الاجتماعية القادرة على تغييره.
ولم تكن الإشارة إلى ما ذهب إليه بلقزيز معزولة عن واقع العلاقة الملتبسة بين محركين للحدث ومساره هما الإعلام والسياسة، وإنما أراد المؤلف أن يضيء المساحة بينهما ويسلط الضوء على دور كل منهما في عملية التغيير التي باتت هاجسا للحاكم والمحكوم من فرط ما أحدثته في الواقع السياسي العربي المضطرب من ارتدادات ما زلنا نعيش أحداثها.
وقسم المؤلف صباح ياسين كتابه إلى قسمين كل قسم يحتوي على خمسة فصول الأول، يعرف فيه الوظيفة الاتصالية، فيما يتساءل في فصله الثاني عن العلاقة الملتبسة بين الإعلام والسياسة بالقول: توافق أم تعارض؟ فضلا عن ترويض الإعلام والأيديولوجيا والسلطة والإعلام.
وبحسب خبرة المؤلف في ميادين السياسة والإعلام والسلك الدبلوماسي أفرد القسم الثاني لكتابه للحديث عن مستقبل الصحافة المكتوبة وتحديات البقاء، ومخاطر خطاب الكراهية، وواقع الإعلام، وطموح الوحدة القومية في اهتمامات المشهد الإعلامي العربي.
وعلى الرغم من أن مؤلف الكتاب أبقى العلاقة بين الإعلام والسياسة نهايتها مفتوحة إلا أنه أقر بان هذه العلاقة متداخلة ومتشابكة، وأن الغوص في تفاصيلها يتطلب تحديد وظيفة ومسار كليهما رغم التحولات السريعة في عالم الاتصال؛ لأن نهايات العملية التواصلية، كما يرى المؤلف تدور وتتسع في آفاق يصعب الإمساك بنهايتها.
وليس بعيدا عن مسار البحث حول العلاقة الملتبسة بين الإعلام في أشكالها وتأثيراتها على السياسة، فإن الانطباع السائد في مجتمعاتنا أن الإعلام هو وسيلة بيد السلطة الحاكمة تستخدمها لمواجهة الخصوم والتحديات والمخاطر التي تتعرض لها الأوطان، وأن هذه الثنائية استطاعت في فترات وتجارب معينة استنهاض الطاقات في عملية الحشد في درء الأخطار، كما في العراق قبل الاحتلال الذي كان إعلامه مركزيا، ويعبر عن رأي صانع القرار السياسي وصدى له.
من هنا يؤكد مؤلف الكتاب “على أن جهده في هذا السياق ينصب للوصول إلى المعرفة في قدرة الإعلام على التأثير بالسياسة والعكس أيضا رغم أن وسائل الاتصالات الجديدة لا يمكن لأحد أن يتكهن بنهاياتها المتوقعة واشتراطاتها على الطرفين.
إنها محاولة في بناء مقاربة بين علم السياسة وعلم الإعلام للوصول إلى القواعد المنظمة للعلاقة بين الطرفين، كما يرى المؤلف.
إن كتاب الإعلام والسياسة ـ العلاقة الملتبسة ـ هو محاولة للإجابة على تساؤلات باتت ضرورية لمعرفة حدود كل طرف في مدى تأثيره على الآخر، بعد ان دخلت ـ كما سماها المؤلف ـ النبضة الكهربائية عبر نظام التواصل الفضائي الإنساني الذي يدور ويتسع ويكبر دوره في حياة الإنسان وفق اشتراطات الحياة العصرية بإسقاطه الجدران والثوابت التقليدية إلى فضاء المعرفة التي حولت الإنسان إلى مراسل صحفي بفعل وسائل الاتصال الحديثة بنقل ما يدور من حوله إلى العالم لحظة وقوعها.