عزمي عاشور
جسَّد الفيلم السينمائي الشهيرthe missiles of October’ « الأزمة التى كادت تندلع فيها حرب نووية بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأميركية بعدما اكتشفت أميركا فجأة وجود أسلحة نووية على القرب من حدودها يغطي مداها كل أراضيها. فتحركت بكل ثقلها العسكري والديبلوماسي لتوقف هذا التهديد الذي يقف بالقرب من حدودها، وسخّرت كل إمكانياتها في تهديد الأول من نوعه لدولة ظنت أن عزلتها الجغرافية الطبيعية قد نأت بها عن الحربين العالميتين السابقتين وعن أي تهديد يأتي بعد ذلك. وقد تدهورت الأزمة لدرجة أن لجأ الطرفان للعبة حافة الهاوية التى يمكن فيها أن تدمَّر الكرة الأرضية بتهور من أحدهما، فأميركا موجودة قرب الحدود السوفياتية في أوروبا وتركيا، وروسيا موجودة بغواصاتها وسفنها في المحيط الأطلنطي وصورايخها على الأراضي الكوبية قرب مسافة صغيرة من الحدود الأميركية. وقد انتهت الأزمة بسحب الصواريخ السوفياتية بفضل ليس فقط الردع الذي أظهرته الولايات المتحدة وكانت جادة فيه وإنما بالديبلوماسية والعمل الاستخباراتي أيضاً في شكل جسَّد قدراً كبيراً من العقلانية السياسية.
ورغم التأثير السلبي الذي تركته الحرب الفيتنامية على الأميركان لكونها تمت خارج حدود ونطاق الجغرافيا الأميركية في أقصى شرق الكرة الأرضية؛ إلا أن المفاجأة والأسلوب والطريقة التى جاءت بها أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 فاقت كل ما حدث للدولة الأميركية من حروب في السابق؛ بما فيها تدمير أسطولها البحري في بيرهاربر من قبل المقاتلات اليابانية في الحرب العالمية الثانية ما أجبر الولايات المتحدة على دخول الحرب.
وهكذا جمعت أميركا قواتها وحطَّت بها على منطقة الشرق الأوسط التي جاءت بهؤلاء الإرهابيين، فإذا كانت كارثة ميناء بيرهاربر أن رد الفعل الأميركي فيها كان بالقنبلة الذرية في سابقة لم تتكرر.
معضلة الصواريخ الكوبية حُلت بالديبلوماسية وسياسة احتواء الاتحاد السوفياتي السابق؛ إلا أن أحداث أيلول (سبتمبر) بالغرابة التى جاءت بها تنوعَّت فيها الأساليب للمواجهة وكان أبرز الأدوات هو استخدام القوة العسكرية في كل من أفغانستان والعراق، فضلاً عن أدوات نشر الديموقراطية وصناعة الفوضى في المنطقة حتى لو جاءت على انهيار هذه المجتمعات.
وإن كان موضوع العراق محركه في شكل أساسي البترول ومن قبل المحافظين الجدد إلا أن المحصلة في النهاية قادت إلى النتيجة التى نحن فيها حتى الآن بأن هذه المجتمعات باتت ضحية، فلا هي ضربت بقنبلة ذرية مثل اليابان في التو واللحظة وإنما على مدار ما يقرب من العشرين عاماً هناك ما يشبه الاستنزاف البشري والاقتصادي لهذه المجتمعات.
ورغم أن السياسات الأميركية في المنطقة سابقة عن هذا الحدث إلا أن ما يلفت أنها كلها تمحورت حول البترول وحماية إسرائيل ونشر الديموقراطية.
ولم تكن ثورات الربيع العربي 2011 بتوابعها كاشفة لمجتمعاتها لهذا الكم من الأطماع الجغرافية في بلدانها وإنما كشفت في الوقت نفسه عودة دول إلى الصراع الدولي كنا نظن أنها توارت. فبفضل عودة روسيا بعد تفكك دولها بهذا الثقل في منطقة الشرق الأوسط من خلال سورية بعدما تسيَّدت المنطقة الولايات المتحدة وحدها، جعل المنطقة بعيدة عن مرمى السياسات الأميركية ودخلت موسكو مع واشنطن في صراع يعيد إلى الأذهان زمن الحرب الباردة. وارتبطت بهذا التداخل في دولة مثل سورية مصالح متضاربة للأطراف كافة؛ بدءاً ممن يحملون السلاح ويقاتلون على الأرض، ومروراً بالدولتين الإقليميتين؛ إيران وتركيا ولكل منهما أطماعه التي يلهث وراءها حتى لو تطلب الأمر تغيير الواقع بالإبادة على طريقة ما يفعل الجيش التركي في شمال سورية.
وفوق هؤلاء تأتي روسيا وأميركا من على بعد آلاف الأميال لتتصدرا المشهد بدعم فريق على حساب الآخر. المهم هو أن ذلك يتم في سبيل تحقيق الاستراتجية السياسية للقوتين العظميين.
والسؤال: ما هو السبيل للهروب من هذه الأطماع التي تبدو مشروعة في قانون الصراعات الدولية؟ فالنجاة كان يمكن أن تأتي من أخذ الدرس نفسه من تجارب حروب أميركا وروسيا بأن تتحليا بالعقلانية بكل ما تعنيه من سياسات وقوة واقتصاد وتنمية.
* كاتب مصري.