تنتظر حكومة العراق برئاسة عادل عبد المهدي الآلاف من ملفات الفساد المالي والإداري، وصولاً إلى جرائم الحرب والانتهاكات والإخفاء القسري، انتهاءً بسقوط المدن على يد تنظيم “داعش” منتصف عام 2014، إبان ولاية رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي. وقد تحول ملف معالجة الفساد وفتح تحقيقات شفافة مع المتورطين فيه إلى مطلب شعبي رئيسي في تظاهرات جنوب العراق، خصوصاً البصرة. وتزامن ذلك مع صدور تقارير تتحدث عن خسارة العراق، نتيجة الفساد المالي، ما لا يقل عن 450 مليار دولار في أقل من 10 سنوات.
إلا أن الملف ينطوي على مخاطر كبيرة، كون المتورطين في ملفات الفساد هم المتصدرون للمشهد السياسي والأمني في العراق، وبينهم قيادات سياسية بارزة، لها أتباع وأجنحة مسلحة، ما يجعل الملف بمثابة حقل ألغام يتجنب الجميع الخوض فيه، حتى بات القول إن فتح الملف على مصراعيه يعني نسف العملية السياسية بالعراق بشكل كامل. وحتى مشروع “الإصلاحات” التي أطلقها رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، بشأن محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين في سقوط مدينة الموصل بأيدي تنظيم “داعش”، ومنهم نوري المالكي، في 2014، لم تأت ثمارها، فقد انتهت من دون أي نتيجة، برغم التظاهرات الشعبية التي دعمت العبادي، بالإضافة إلى تأييد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ندّ المالكي وعدوه اللدود، بسبب سيطرة المالكي وحزبه “الدعوة” على مؤسسات الدولة، ضمنها القضاء. وينطبق الأمر نفسه على ملفات تسليح القوات العراقية بالأسلحة الفاسدة، وصفقات وزيرة الصحة السابقة، عديلة حمود، بشأن ما عرف قبل عام بـ”صفقة الأحذية الماليزية”، وليس انتهاء بتهريب ستة مليارات دولار من العراق على يد مسؤول، لم يكشف عن اسمه وزير المالية السابق، هوشيار زيباري في مقابلة صحافية، ما أثار الجماهير العراقية بشأن عدم ذكر اسم المسؤول، خصوصاً أن وزيراً في الحكومة يعرفه ويعرف قصته.
”
خطط عبد المهدي لمحاسبة المتورطين بالفساد تعتمد على ابتكار لجان وخبراء
”
وعلى خطى العبادي، الذي شكّل في الأسابيع الأولى من حكومته السابقة “مجلس مكافحة الفساد”، تعتمد خطط عبد المهدي لمحاسبة المتورطين بالفساد على ابتكار لجان وخبراء، خلال أول جلسة للبرلمان العراقي الرابع، والذي منح عبد المهدي الثقة لتشكيل حكومته، معلناً بعدها عن وجود 13 ألف ملف فساد مفتوح أمام هيئة النزاهة. وتعهد عبد المهدي وقتذاك بالتعامل مع الفاسدين بوصفهم لا يقلون خطراً عن “داعش”، وهي نفس الجملة التي قالها العبادي قبل نحو خمس سنوات، الأمر الذي دفع بسياسيين وبرلمانيين للتشكيك بكلام عبد المهدي، ولا سيما أنّ لا سلطة له على الأحزاب التي تمارس الفساد وتتلاعب بمقدرات الدولة الاقتصادية.
وأخيراً، أعاد عبد المهدي تشكيل “المجلس الأعلى لمكافحة الفساد”، معتبراً أنه خطوة تمكنه من “توحيد جهود الجهات الرقابية”. وقال، على هامش الاجتماع، إن “الهدف من إعادة تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد هو تمكينه من اتخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأية جهة أو شخص، مهما كان موقعه، وأن نتصرف كدولة في كشف الفساد وحماية المجتمع والمواطنين والمال العام على حد سواء”. وأشار إلى أن “المجلس يجب أن يتمتع بالصلاحيات الإدارية والقانونية الكافية للسيطرة على ملف الفساد ومعرفة مواطنه ومكامن الخلل في المتابعة والتنفيذ”. وقال عضو سابق في هيئة النزاهة، إن “العراق لا يحتاج إلى تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد، خصوصاً أن هذا المجلس سيُبنى على طريقة المحاصصة الحزبية والطائفية، مثل الهيئات والمجالس واللجان السابقة، لأن الأحزاب ستزج عناصرها في المجلس، ويتكفلون بطريقتهم بإخفاء الملفات التي ترتبط بأحزابهم والتي تتهم قادة فيها”. وأضاف العضو، لـ”العربي الجديد”، أن “الحكومة العراقية تملك هيئة نزاهة مستقلة، وقضاء ورقابة مالية ولجاناً برلمانية ووسائل يمكن من خلالها أن تراقب وتعمل على فتح الملفات ومحاسبة المتورطين بطريقة قانونية آمنة. أما الحكومة فهي سلطة تنفيذية عليها أن تنشغل بقطاعات مرتبطة بحياة المواطن، مثل الخدمات، وسياسياً بما يتعلق بالخطابات الخارجية وأمور الاقتصاد. إن اللجان التحقيقية التي تشكلت منذ الحكومة العراقية الأولى بعد الاحتلال، ولغاية الآن لم تتمكن من محاسبة أي زعيم سياسي متورط بقضايا اختلاس أموال أو إرهاب، لأن اللجان التي تشكلها الحكومة تتكفل الأحزاب باختيار أعضائها”.