د. مسعود الحضرمي:
من على سفح الجبل الأخضر، يطل حصن تنوف وهو يصر على البقاء شاهدا رغم اندثار معظم معالمه، ذلك الحصن الذي احتضنته قرية تنوف التي اشتهرت بكتابات الرحالة وتغنى بها كبار الشعراء لجمالها ومياهها العذبة وشلالاتها المنسابة كاللجين، بقيت كالأطلال الباقيات في شعر امرؤ القيس الذي وصفها في رحلته إليها، وما وصلنا عن حصن تنوف من أخبار لا يفي أبدا بعظمة وعبقرية هذا البناء الذي شيده الإمام محمد بن صلت النبهاني وتحصن به، ثم ما لبثت حرب الجبل الأخضر أن اندلعت فأعملت قنابل الطائرات البريطانية في خمسينيات القرن الماضي الدمار والهدم فيه بسبب عجزها عن اقتحام نزوى برا، حتى لم يتبق منه سوى بعض الزوايا والجدران.
إن زيارة لقرية تنوف كفيلة بأن تعكس جانبا من إشراقة حضارة هذه المنطقة من عمان، فقد كانت شلالاتها ومياهها العذبة وبساتينها الخضراء عوامل استقرار وازدهار لها ولقاطنيها في ذلك الوقت من تاريخ عمان، ولكنها الآن أمست حديثا عن أطلال، وأصبحت الحاجة ملحة لإعادة إحياء تاريخها وترميم ما تهدم منها، ليس فقط ترميما حجريا بنائيا، وإنما ترميما فكريا وعلميا يسعى لتدوين هذا التاريخ في دراسات وأبحاث تتيح للأجيال الحالية الاطلاع على ماضيها وآثار من دافعوا باستماتة عن هذه الأرض ضد الطامعين والمستعمرين.
وحتى ننجح في الحفاظ على ما تبقى من آثار هذا الحصن، يجب أن تتركز الجهود في عمليات الترميم المكثفة، فعوامل التعرية والتجوية اخذت تزداد شدتها مما يهدد بقايا الحصن بالاندثار الكلي إذا لم يتم تسريع الإجراءات والمبادرة الفورية بالإصلاحات الأثرية، بداية يجب أن تتم بعض الدراسات الجيولوجية لمكان الحصن، لاكتشاف درجة وعمق البناء في الأرض ونوع وطبيعة الطبقات الأرضية، ثم بناء سور يحيط ببقايا الحصن لجعلها منطقة عمل مغلقة لغايات الترميم، مع أهمية استحضار ما تم التقاطه من صور للحصن من المصادر والتوثيقات المتاحة، وإجراء المقابلات مع بعض من عاصروا تلك الفترة من عمر الحصن للاستدلال على بعض خواصه ونمطية بنائه كما كانت، وتتطلب منظومة الترميم خطة عمل تتسلسل في مراحل يراعى فيها تضافر الجهود المحلية والوطنية لأننا الأقدر على حفظ تاريخنا، والاطلاع على بعض التجارب العالمية والاقليمية في أعمال الترميم والاستفادة منها، ولا ضرر من وجود بعض الخبراء من خارج السلطنة لتقديم الاستشارات والتوجيهات المقترحة التي تسهم في جعل الخطة أكثر فاعلية وقابلية للتنفيذ السريع، وهنا لا بد أيضا من استغلال الطاقات الإبداعية من طلبة التخصصات ذات الصلة في الجامعات العمانية فيكون تدريبهم الميداني جزءا من تنفيذ خطة الترميم، وبهذا يتحقق مبدأ المشاركة المجتمعية وإعطاء الفرص بشكل أكبر لخريجي التخصصات التاريخية والآثار والعمارة والفنون ليعيشوا تجربة حقيقية تمكنهم من الحصول على خبرة عملية على أرض الواقع، في مشاركتهم بترميم هذا الصرح التاريخي.
لقد باتت مسألة الحفاظ على آثار السلطنة أهم من أي مشروع آخر، فالتنمية والنهضة الشاملة لسلطنتنا لا يجب ان تتوجه إلى حيث التكنولوجيا والتقدم العلمي والعمراني والاقتصادي فحسب، بل إن الأكثر حاجة من ذلك أن تشمل المعالم الاثرية والتاريخية، ترميما واصلاحا وبحثا، فما قام على ارض سلطنتنا العظيمة من حضارات وما تركته من آثار إنما هو نبراس نهتدي به لتحقيق ديمومة عظمة وعراقة هذا البقعة من الارض، بدلا من أن تكون خبرا أو حديثا من أحاديث الأطلال.