ماجد الشيخ
في ميزان الانتخابات، كل شيء في إسرائيل قابل للاستثمار، وللبيع والشراء، كما للكذب والرياء، وحتى المتاجرة بما هو عسكري لخدمة أهداف سياسية، كما حصل مؤخرا في عدد من الغارات التي شنها الطيران العسكري الإسرائيلي ضد أهداف إيرانية في دمشق وحول مطارها ومستودعاته، في خطة تستهدف إبعاد المواقع الإيرانية عن الجولان ووقف تزويد حزب الله بمزيد من الأسلحة الدقيقة والمتطورة، أو تحريك أسلحة من مواقعها أو قواعدها، كل ذلك في محاولة لتحقيق أهداف وغايات متداخلة سياسيا وعسكريا وانتخابيا، بحيث يستفيد منها نتنياهو شخصيا أولا وليكوده واليمين عموما، في وقت تتزايد فيه الاتهامات وشبهات الفساد التي بات يتعرض لها نتنياهو وزوجته سارة من قبل الشرطة والمدعي العام.
رغم ذلك يشكك قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بادعاءات نتنياهو، وتباهيه بالغارات وبمدى قدرتها على خدمة أهداف الاستراتيجية العسكرية، في وقت شرعوا بإثارة التساؤلات بشأن ما إذا كان طرد إيران من سوريا هو هدف واقعي، بينما يشار إلى عدم قدرة القادة العسكريين على تحديد ما تم إنجازه بفعل الغارات الجوية. وكانت مصادر إسرائيلية قد ذكرت أن إيران و”حزب الله” سعيا إلى تشكيل ميليشيات داخل الجولان، مشكلة من فلسطينيين وسوريين يعيشون داخل الهضبة، مضيفة أن الحصول على معلومات استخبارية دقيقة ساعد إسرائيل في استهداف هذه المليشيات، مما أفضى إلى إحباط تشكلها في النهاية.
وفي وقت تشن الطائرات الإسرائيلية غاراتها داخل سوريا ضد أهداف إيرانية، من الأجواء اللبنانية، تتجنب في الوقت نفسه شن أية غارات داخل لبنان تفاديا لرد مباشر من حزب الله، وفي المرة الوحيدة التي استهدف الطيران الإسرائيلي أهدافا إيرانية داخل لبنان وبمحاذاة الحدود مع سوريا، سارع حزب الله للرد فورا. وفي خضم الصراعات التي تشهدها القوى الاقليمية المتصارعة في سوريا، وفي تعليق على إطلاق الصاروخ الإيراني من محيط دمشق، حيث اعترضته منظومة “القبة الحديدية” داخل الأراضي السورية، وكان موجها بحيث يسقط على جبل الشيخ، الذي افتتح موسم التزلج على الجليد على سفوحه، حيث كان يتواجد هناك حوالي الألف متزلج. نوهت المصادر الإسرائيلية إلى أن إطلاق الصاروخ يدلل على هشاشة التوافقات التي تتم مع موسكو بشأن سوريا، مدعية أن الروس قدموا تعهدات بعدم السماح للإيرانيين بالتواجد عسكريا في محيط دمشق، مما يعني إن إطلاق الصاروخ من هذه المنطقة، يمثل تجاوزا لهذه التفاهمات. وفي أجواء التكتم السائدة بين طرفي الحكومة والمؤسسة العسكرية، لم يكشف النقاب حول طابع الهدف الذي حاولت إسرائيل تحقيقه من الغارة التي نفذت قبل أسبوع، واستهدفت مطار دمشق الدولي، وما إن كان الهدف هو ضرب موقع عسكري إيراني، أو أنها جاءت لمنع طائرة إيرانية محملة بالسلاح من الهبوط في المطار. فقد نقلت مصادر صحفية إسرائيلية عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن طائرة مدنية إيرانية تابعة لشركة “ماهان إير” الخاصة، والتي تعد ثاني أكبر شركة طيران في إيران، قد شوهدت وهي تغادر الأجواء السورية بسرعة عندما كانت تستعد للهبوط في المطار بعد بدء الغارات الإسرائيلية.
وبحسب المصادر، فإن الحرس الثوري الإيراني يستخدم طائرات الشركة في نقل السلاح إلى سورية و”حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن، مدعية أن هذا ما دفع الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات على هذه الشركة، في حين أن الحكومة الألمانية ألغت الأسبوع الماضي الرحلات الجوية الست التي تقوم بها أسبوعيا بين إيران وألمانيا، تحت ضغط إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وكان ذكر أن الجيش الإسرائيلي أنذر قيادة الجيش الروسي في قاعدة حميميم، بالضغط على جيش النظام السوري بعدم الرد على الغارات الإسرائيلية. ونوه إلى أن إسرائيل نقلت رسالة للأسد مفادها أنها قد سلمت ببقائه ولن تهدده، بشرط عدم السعي للتشويش على عملياتها داخل سوريا التي تستهدف إيران.
وفي تأكيد لهذه السياسة ونقدا لها في ذات الوقت، كان “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي وفي تكثيف لتوقعاته بشأن خارطة المخاطر التي تهدد إسرائيل خلال العام 2019. قد ذكر في تقريره السنوي الذي تضمن دراسات عدّة بشأن مستقبل الجبهات المتعددة التي تواجهها إسرائيل، ونشر الأسبوع الماضي، أن أكبر المخاطر التي تتهدد الكيان خلال العام الجاري تتمثل في إمكانية اندلاع حرب شاملة في الشمال والجنوب، تكون ساحتها سوريا ولبنان وقطاع غزة. وبحسب التقرير، فإن إسرائيل ستواجه في هذه الحرب كلاً من إيران و”حزب الله” والنظام السوري وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة. وبخلاف التهديدات التي يواصل رئيس الوزراء ووزير الأمن الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إطلاقها، فإن تقرير المركز، الذي شارك في إعداده عدد كبير من الباحثين برئاسة الجنرال عاموس يادلين، مدير المركز والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية، يحذر من مواصلة إسرائيل استراتيجية استهداف إيران داخل سوريا، حيث خلص التقرير إلى أن هذه الاستراتيجية بأدواتها الحالية قد استنفدت ذاتها.
عموما وقبيل الانتخابات، لم يوفر أعضاء في الكنيست المنحل، اتهام نتنياهو بالفشل سياسيا وأمنيا سواء بشأن الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان، أو الجنوبية مع قطاع غزة. وقال عوفر شيلح (حزب هناك مستقبل)، إن الوضع في غزة يعد فشلا ذريعا لنتنياهو وسياساته، كما انه تسبب بإهانة إسرائيل من خلال نقل الأموال القطرية إلى (حماس) عبر حقائب.
من جانبه قال نحمان شاي (حزب العمل) إن الوضع الأمني يتدهور بسبب سوء إدارة الصراع خلال السنوات الماضية من قبل حكومة نتنياهو. واعتبر أن كشف هذا الأخير، عن حالة الغموض التي كانت تحيط بالهجمات في سوريا، كانت خطأً فادحا، ما حشر إيران في الزاوية، وجعلها تلوح علنا بالردود العسكرية وتهديد إسرائيل. وقال الوزير يؤاف غالانت إن لإسرائيل وروسيا مصلحة مشتركة في إخراج إيران من سوريا. وأضاف أن روسيا اعتمدت على إيران وحزب الله في تنفيذ استراتيجيتها بدحر قوات المعارضة السورية. وتابع “إن إيران وروسيا خصمان في السيطرة على المطارات السورية وبسط نفوذهما السياسي.
أخيرا لا يبدو أن نتنياهو في وضع يؤهله اليوم وهو في مواجهة حملة انتخابية معقدة وغير مسبوقة، قادر على حسم خياراته بسهولة، لا سيما في قطاع غزة، فلا هو قادر على مواجهة التهم التي يطلق سهامها خصومه والمنافسين له، في محاولة منهم لإحراجه وتوريطه في حرب جديدة ضد القطاع مقدمة لإخراجه، وما يمكن أن يتبعها من تداعيات على بقية جبهات المواجهة في الشمال وفي سوريا ضد الوجود الإيراني، بكل ما يمكن أن تحمله تلك التداعيات من مخاطر كبرى، يمكنها أن تؤثر على مكانة نتنياهو الانتخابية والسياسية، كما ومستقبله الذي بدا ويبدو أنه أقرب إلى الغموض منذ الآن.
* كاتب فلسطيني.