العقوبات الأميركية على إيران وسؤال التفاوض

1

حسين معلوم
 
أن يُقر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالصعوبات التي تواجهها الدول الأوروبية، بشأن إعداد آلية تتيح التجارة مع إيران بغير الدولار الأميركي، فهذا يؤكد الصعوبات التي تتوقعها طهران جراء العقوات الأميركية المفروضة عليها، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ الرابع من نوفمبر الفائت؛ إذ، في تصريحات ظريف ما يدل على ذلك، وإن بشكل غير مباشر، خاصة إذا لاحظنا ما يؤشر إليه قوله: «يواجه الأوروبيون تحديات في تحديد الدولة التي تستضيف الآلية». لكن، هذا نفسه يطرح التساؤل حول الموقف الأوروبي تجاه هذه العقوبات، وتأثير الموقف الراهن للدول الأوروبية على مستقبل علاقاتها مع الشريك الاستراتيجي الأكبر لأوروبا، الولايات المتحدة؛ فالدول الأوروبية، بالإضافة إلى روسيا والصين، تحاول الحفاظ على إبقاء إيران في «مجال الأعمال»، عبر اقتراح أداة مالية خاصة تُمكِّن إيران من بيع النفط، دون الوقوع في تعارض مع العقوبات الأميركية؛ وذلك بعد أن شملت هذه العقوبات، إضافة إلى تحديد 700 شخص وكيان إلى «اللائحة السوداء» الأميركية، إقصاء إيران من نظام «سويفت» الدولي للتحويلات المالية، في محاولة أميركية لعزل طهران عن النظام المالي العالمي.
 
 
ثم، أن تُحدد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الهدف من العقوبات ليس إسقاط النظام، بقدر ما يتمثل في إجبار طهران على تغيير سلوكها بشكل جذري، فهذا يعني دفع إيران إلى تغيير سياساتها تجاه منطقة جوارها الجغرافي، المنطقة العربية، بعد أن تواجدت عناصر «الحرس الثوري» في الساحتين السورية والعراقية، وبعد أن وصلت الأسلحة الإيرانية إلى كل من لبنان واليمن؛ وهو، أيضاً، ما يطرح التساؤل حول مدى فاعلية العقوبات الأميركية في تحقيق هذا الهدف، في ظل وجود «تململ» أوروبي، ورفض كل من روسيا والصين، ومحاولات كل من تركيا والهند الاستثناء من تنفيذ تلك العقوبات.
 
صحيح أن البعض يرى أن نجاح إدارة ترامب، في تجربتها مع كوريا الشمالية، يؤهلها للنجاح المماثل مع إيران، في ظل ترديد الرئيس الأميركي الدائم بأن «الإيرانيون سيأتون للتفاوض معنا»؛ إلا أننا نرى أن الموقف هنا مختلف، قياساً إلى القوى الدولية التي ساهمت في تفعيل العقوبات الأميركية على بيونغ يانغ، والتي ترفض الآن الموقف الترامبي في الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، وما استتبع ذلك مع فرض عقوبات أميركية عليها. هذا، فضلاً عن أن النجاح الأميركي في حالة كوريا الشمالية، هو نجاح مازال لم يؤت ثماره حتى اللحظة، على المستوى التكتيكي، ونشك في تحققه على المستوى الاستراتيجي.
 
فهل يعني هذا أن العقوبات الأميركية على طهران لن تؤتي ثمارها، أم أنها سوف تدفع الإيرانيين إلى التفاوض مع الأميركيين؟.. وإذا تحقق ذلك، وذهب أولئك إلى التفاوض، فهل يمكن لإيران الانسحاب من الساحات العربية الموجودة فيها، وهي ساحات استراتيجية تبعاً للمنظومة العربية وملفاتها المتشابكة والمعقدة، أم أن المسألة لن تتجاوز ضبط التدخلات الإيرانية الإقليمية، بعد أن حدد ترامب هذه المسألة كـ»مادة» للتفاوض؟ لنا، هنا، بما يتضمنه التساؤل من إشكاليات متعددة، أن نشير إلى جانبين اثنين: فمن جانب، لا يمكن القول إن العقوبات الأميركية لن تؤتي ثمارها؛ إذ، لنا أن نلاحظ كيف فاقم إعلان هذه العقوبات، من جانب الإدارة الأميركية، في تدهور قيمة العملة الإيرانية، التي خسرت 70 في المئة من قيمتها في مقابل الدولار. هذا فضلاً عن أن مسألة الحظر النفطي سوف تزيد من انكماش الاقتصاد الإيراني؛ وحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سوف يؤدي ذلك إلى تراجع الاقتصاد بما نسبته 3.6 في المئة خلال العام المُقبل. ويكفي تأمل مدى تأثير هذه العقوبات على الوضع الاقتصادي، ومن ثم الاجتماعي، عبر إدخال عنصر زيادة أسعار السلع الغذائية، التي أقر المصرف المركزي الإيراني بزيادتها بما نسبته 46.5 في المئة. فإذا أضفنا إلى ذلك، ما تتضمنه العقوبات من حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، وحظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ناهيك عن حظر توريد أو شراء قائمة ـ ليست بالقليلة ـ من المعادن، لنا أن نؤكد أن العقوبات الأميركية، وإن لم تتمكن من «خنق» إيران، إلا أنها مؤلمة وقاسية، وهذا لا يمكن إنكاره.
 
من جانب آخر، تُظهر العقوبات الأميركية السابقة، قبل توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، أن إيران كانت قد حصلت على 73 بليون دولار من العوائد النفطية، بفضل تمكنها من الالتفاف على العقوبات؛ وذلك عبر أساليب المقايضة والتهريب وإغراء المشترين بالبيع بأسعار أقل، وبيع النفط من خلال وسطاء يقومون بشرائه محلياً ثم يعيدون بيعه في الأسواق العالمية. أضف إلى ذلك، أن إيران قامت في شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) الماضيين، أي قبل دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، بتخزين كميات كبيرة من النفط في مخازنها، وفي مخازن عائمة بالخارج، وهو ما يجعل من الصعب تعقب ما سيحدث لهذه الكميات على الطرق، وهي إحدى الأساليب الإيرانية في التهرب من العقوبات.
 
فإذا أضفنا إلى ذلك، أن بعض الدول المستوردة للنفط الإيراني تسعى للحصول على تنازل من إدراة ترامب للاستمرار في القيام ببعض الأعمال مع طهران، ومنها مستوردات النفط؛ هذا فضلاً عن بعض القوى الكبرى، الصين كمثال، التي يمكن أن تشتري النفط الإيراني دون إثارة مشكلات مالية مع واشنطن، لنا أن نؤكد مرة أخرى على أن العقوبات الأميركية، وإن لم تتمكن من «خنق» إيران، إلا أنها سوف تكون مؤلمة وقاسية.
 
في هذا السياق، فإن النقطة الرئيسة التي يلتقي عندها هذان الجانبان هي إصرار الأميركيون على دفع إيران نحو التفاوض حول برنامجها الصاروخي، ربما أكثر من برنامجها النووري الذي تم التوقيع من قبل على اتفاق بشأنه؛ هذا إضافة إلى ضبط سلوكها بشأن تدخلاتها الإقليمية في منطقة جوارها الجغرافي العربية.
 
يبدو أن الأميركيين، عبر التأكيد بأنهم لا يهدفون إلى إسقاط النظام، يريدون التوصل إلى ضبط التصرفات الإيرانية، بخصوص المنطقة العربية، عبر التفاوض من خلال الضغط الاقتصادي الشديد. ولأن الإدارة الإيرانية تعي ذلك جيداً، لنا أن نتوقع أن تقوم بالتصعيد عبر ميليشياتها الموجودة في الساحات العربية الملتهبة، دون الانجرار إلى الاستفزاز المباشر للقوات الأميركية، لسبب بسيط هو أن النظام الإيراني يعتمد أسلوب المواجهة غير المباشرة. والاستهداف الإيراني هنا واضح، وهو الدخول إلى المفاوضات، المتوقعة، أو التي يمكن توقعها، بامتلاك أوراق دفاعية للتفاوض. المشكلة الرئيسة التي نطرحها، هنا، تلك التي يتضمنها التساؤل التالي: هل يستهدف الأميركيون مجيء الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات، لأجل ترجيح كفة خصوم طهران في المنطقة، أم الإبقاء عليها كـ»فزاعة»، تحت الطلب؟
 
• كاتب مصري

التعليقات معطلة.