إبراهيم الصياد
لعلني لا أبالغ حين أقرر أن أخطر ما يواجه العالم العربي في الآونة الأخيرة، يتمثل في عملية تمرير أفكار شعوبية، للتأثير على مسار العمل المشترك، وتمكين القوى الرافضة لأي نهوض عربي من السيطرة على منطقة الشرق الأوسط. وهي أفكار تضع منطق التكامل والتعاون الجماعي جانباً وتَسيد السياسات الانعزالية، ما يعني إعطاء الفرصة وتمهيد الطريق، أمام أطراف غير عربية، سواء كانت إقليمية مثل إيران واسرائيل أو دولية مثل الولايات المتحدة، لإعادة رسم خريطة العالم العربي، بما يتفق ومصالحها ونفوذها. وساعد هذه الأطراف على الوصول إلى هذه النقطة الفارقة ما تمكن تسميته استمرار التقاعس العربي، وترك الأزمات العربية تتفاقم لتنتقل من المستوى الذي يسهل معه حلها، وهو المستوى (القومي أو الإقليمي)، إلى مستوى أوسع نطاقاً لكنه خارج عن السيطرة، مستوى أطرافه متعددة، وكل منها يتذرع بمصالحه وأمنها القومي، وهو مستوى (التدويل).
إن استباحة التدخل في الشأن العربي من شأنه أن يعقد الأزمات، وربما لا يساعد على حلحلتها، بالشكل الذي يتفق والمصلحة العربية، ولنا في الأزمة السورية مثالاً؛ بل تظل -في اعتقادي – النموذج الأكثر وضوحاً لما وصلت إليه حالة الضعف العربي، وأتساءل: ألم يكن في إمكان الدول العربية ممثلة في جامعتها احتواء الأزمة في بداياتها قبل أن تتفاقم؟
ربما يقول قائل إن عوامل ضاغطة منعت الفعل العربي الإيجابي لحل هذه الأزمة وساعدت هذه العوامل على تقييد الحراك العربي، ومنها: إن النظام السوري نفسه هو الذي رفض الحلول السياسية وكان في إمكانه تفويت الفرصة على محاولات التدخل في الشأن السوري، وإيجاد صيغة ديموقراطية لرأب الصدع ولم الشمل. انتقال عدوى المد الإرهابي من العراق إلى سورية، مع ظهور وتنامي ما يسمى تنظيم «داعش»! وهكذا أضحت الأراضي السورية بيئة حاضنة لتغذية الجوانب الصراعية للأزمة التي كانت في الأصل صراعاً داخلياً بين النظام الحاكم والمعارضة، لدرجة أن المراقبين في فترة لاحقة بعد انفراط العقد السوري، كانوا يتساءلون: من يحارب مَن في سورية؟ بخاصة عندما تعدد وجود القوات الأجنبية على أراضيها من أتراك وإيرانيين وروس وأميركان وأوروبيين! انشغال بقية الدول العربية بمشكلاتها الداخلية، لاسيما بعد اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي اعتباراً من نهاية العام 2010 ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن قلَّما نجد تعاوناً عربياً. قد نتفق في الإجمال مع هذا الرد، ما يجعلنا نتساءل: ما الذي جعل الفعل العربي يصل إلى هذه الدرجة من الضعف؟ ولماذا عجزت الجامعة العربية عن الاضطلاع بدورها المفترض في حل المشكلات العربية، وهي في مهدها؟ لا شك أن السبب الرئيسي، يتمثل فيتراجع المد القومي في مواجهة الأفكار الانعزالية والشعوبية التي تجئ متسقة مع محاولات تفتيت العالم العربي، وقد حذّرنا مراراً، من أننا قد نكون أمام ما يشبه اتفاقية سايكس بيكو التي قسَّمت العالم العربي عام 1916، بل ربما نحن أمام مخطط أخطر منها؛ لأن محاولات اليوم تأتي في ظل متغيرات مختلفة، نرصد بعضها في ما يلي: ان الاستعمار التقليدي لم يعد موجوداً، وإن كان يعود بأشكال جديدة غير مباشرة تستهدف استنزاف مقدرات المستعمرات السابقة. إن دول المنطقة أصبحت مستقلة، وتواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية تفرض عليها صياغة سياساتها، بما يتفق مع مصالحها. زيادة تأثير النعرات العرقية، التي استخدمت في السنوات الأخيرة، كورقة ترجح النزعات الانفصالية، والاتجاهات التقسيمية. إن هذه المتغيرات لا بد أن تفرض نظاماً سياسياً لدول المنطقة، ومن الطبيعي أن يكون متلائماً معها. ولهذا نقول إن انعقاد القمة العربية القادمة في تونس، يفرض ضرورة وضع كل ما تقدم في الاعتبار، وأن تناقش القمة بصراحة وبعمق الأوضاع العربية الراهنة، وأن ترصد الظواهر المعوقة للعمل العربي المشترك، بخاصة وأن الشعوب العربية لا يمكن أن تقبل ترك المصير العربي بأيدي قوى غير عربية وفي تصوري إن نقطة البداية، تتمثل في توحيد الصف وتحديد نقاط القوة العربية سياسياً واقتصادياً، ونتمنى أن تخرج القمة بتوصيات وقرارات، يتم من خلالها إحياء مشروعات، تسعى إلى تفعيل العمل العربي المشترك، مثل السوق العربية المشتركة، واتفاقية الدفاع العربي، وتحقيق الأهداف التكاملية بين أبناء الأمة الواحدة في مختلف المجالات ونتجاوز مرحلة الاعتراض الشكلي والشجب والإدانة التي لا تعدو إلا أن تكون كلمات ينتهي تأثيرها، بمجرد جفاف المداد الذي كُتبت به.
• كاتب مصري