محمد بن سعيد الفطيسي
تعد مسألة تحسين الصورة الذهنية للمؤسسات باختلاف اشكالها وانواعها وتوجهاتها، سواء اكانت (عامة) مدنية أو عسكرية أو امنية أو (خاصة) تابعة للقطاع الخاص غاية في الأهمية، ولا يعني ذلك بالضرورة ان تلك المؤسسة أو الجهة سيئة السمعة، أو لا تقدم خدماتها بشكل جيد أو صحيح، لكي تقوم بتحسين صورتها الذهنية في اذهان من تقدم لهم خدماتها أو بينها وبينهم علاقة تبادلية أو خدمية أو تواصل من نوع ما، مباشر أو غير مباشر.
فمسالة تحسين الصورة الذهنية للمؤسسات بوجه عام ضرورة غاية في الأهمية، فهي تزيد من ثقة الجمهور بتلك المؤسسة، كما انها ترسخ مبادئ وقيما طيبة في الذهنية الشعبية، كالاهتمام بالمواطنين، ومحاولة التقارب منهم، وكسب رضاهم، اما بالنسبة للقطاع العام خصوصا، فتأخذ من الأبعاد والعمق ما هو اكبر بكثير من البعد المجتمعي المباشر أو العقلية الجماهيرية والشعبية أو مسالة تحسين خدمة أو تقديمها للمواطنين، فهي قضية مؤسساتية سياسية وامنية ونفسية واقتصادية وغير ذلك الكثير، ويتضح ذلك بشكل واضح في نتائج وانعكاسات ما تتسبب به الصورة الذهنية السيئة أو الفكرة المغلوطة المسبقة أو الإشاعة غير الصحيحة عن تلك المؤسسة أو القائمين عليها في اذهان المجتمع من الناحية الأمنية والنفسية خصوصا، وانعكاسات ذلك على ثقة المواطنين في نظام الحكم بشكل عام، وبمؤسسات الدولة من جهة اخرى بوجه خاص.
لذا ومن وجهة نظري الشخصية أرى ان تحسين الصورة الذهنية للمؤسسات الحكومية في اذهان المجتمع أو المواطنين اولى بالاهتمام من الفهم السائد والمعتقد المنتشر بأن ذلك اكثر اهمية أو يتركز في مؤسسات القطاع الخاص. فالقطاع الحكومي في العادة يكون اكثر القطاعات التي تحتاج هذا النوع من الاهتمام والرعاية بهذه المسألة في كل زمان ومكان. وهو من اكثر القطاعات تعرضا للنقد في العادة لارتباطه المباشر واليومي مع المواطنين، ومن المؤكد ان تحسين الصورة الذهنية أو رفع مستواها في اذهان المواطنين يساعد كثيرا على رفع مستوى الثقة فيها وفي القائمين عليها، وبالتالي الثقة في قراراتها وتوجهاتها على ارض الواقع، خصوصا تلك التي تلامس الحياة اليومية للمواطنين، يضاف إلى ذلك ما يمكن ان تساهم به الصورة الطيبة للمؤسسة من الناحية الاقتصادية والسياسية والامنية.
فلماذا هذه المسألة مهمة للغاية للقطاع الحكومي على وجه الخصوص؟ لنتصور مثلا ان لدينا مؤسسة أو جهة في أي قطاع من القطاعات العامة للدولة تعمل بكل تميز واجادة، ولدى المجتمع صورة جميلة وحسنة عنها، وفي وقت ما بعد تلك الصورة الجميلة والطيبة الراسخة في اذهان المواطنين، صدر عن تلك المؤسسة قرار أو توجه أو سياسة معينة لم تعجب (المزاجية المجتمعية) أو حتى كانت عكس مصلحة المواطنين من (وجهة نظرهم طبعا)، أو ربما قام أحد المسؤولين في تلك المؤسسة أو حتى موظف عادي بسلوك أو نشاط غير مرحب به أو قام بتنفيذه بطريقة تفتقد للرفق، حينها بكل تأكيد سيكون الخطأ المرتكب مؤثر جدا في سمعة ومكانة المؤسسة حتى وان كانت مبرراته صحيحة، خصوصا اذا صدر كقرار أو سياسة عامة، أو صدر من قبل مسؤول له وزنه وثقله، ما سيؤثر سلبا في الذهنية المجتمعية.
لذلك نجد من الضرورة ان تسرع تلك المؤسسة عبر علاقاتها العامة مع الأفراد والمؤسسات، وعبر استغلال مصادر القوة الناعمة في اعادة تحسين تلك الصورة، أو على اقل تقدير توضيح مبررات ذلك القرار واهميته بالنسبة للصالح العام، أو التعليق على الموقف والنشاط بعد دراسته بشكل جيد، ودون استعجال أو اندفاع وعاطفة، فالذهنية المجتمعية في العادة لا تنظر الى تلك القرارات والتوجهات الرسمية من خلال المصلحة العامة بقدر ما تنظر اليها من مصلحتها الخاصة، وبأسلوب عاطفي وانفعالي في الأغلب، وهو امر طبيعي وليس مستغربا ابدا، لذا نلاحظ ارتفاع الأصوات الناقدة لكل توجه أو سلوك يعاكس مصلحة المجتمع من وجهة نظره حتى وان وجدت الحكومة ان ذلك يصب في الصالح العام من وجهة نظرها.
وما زاد الأمر سوءا وتعقيدا، واثر كثيرا في مسألة ثقة المجتمع في مؤسسات دولته خصوصا، هو ضعف الشفافية الحكومية والتعاطي الصريح مع التحديات والعقبات التي تواجه القطاع العام، خصوصا في ظل الأزمات المختلفة، يضاف إلى ذلك سرعة انتشار الخبر والمعلومة، وكذلك توسع دائرة الإشاعات التي تنتشر بشكل سريع للغاية عبر وسائل ووسائل التواصل الاجتماعي دون غربلة أو فلترة تفصل الصحيح منها عن المغلوط.
واذا كان ذلك غاية في الأهمية في ظل الظروف أو الأسباب الطبيعية أو العادية السابقة، فإن المسألة تكون اكثر اهمية وخطورة في حال وجود انشطة وسلوكيات فردية واخطاء مؤثرة، خصوصا من قبل الأفراد (الموظفين)، في الواقع العملي أو في التعامل مع الجمهور أو في تقديم الخدمة، أو حتى في تطبيق القانون أو بعض الإجراءات الإدارية، ولكن بأسلوب يفتقد لروح القانون أو الرفق في التعامل الإداري، والتعاطي بأسلوب طيب مع الموقف، وسواء اكان ذلك النشاط أو السلوك التفاعلي نشاطا معنويا أو ماديا.
اذا تحسين الصورة الذهنية لمؤسسات القطاع العام في عصرنا الراهن ليست مجرد تلميع أو تسويق أو دعاية فارغة غير مبررة، أو استغلال للمال والوقت الخاص بذلك، خصوصا اذا ما علمنا من السهل جدا التأثير سلبا على سمعة ومكانة مؤسسات القطاع العام اليوم في ظل الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، مع ارتفاع سقف الإشاعات والتشويه، ونشر المعلومات ونقل الخبر والصورة الغير طيبة كما سبق واشرنا. لذا بات من الضرورة والأهمية الاهتمام بهذا الجانب في القطاع العام خصوصا، والعمل بشكل مركز ومكثف على تحسين الصورة الذهنية لتلك المؤسسات، بل والعمل المنهجي والعلمي المخطط له للقيام بذلك اعلاميا وكذلك عبر العلاقات العامة، واستغلال وسائل التواصل الإعلامي لتعزيز ذلك والاستفادة منه.
محمد الفطيسي