د. مسعود الحضرمي:
سواء كانت اتفاقية الدفاع المشترك ثنائية أو متعددة الأطراف، فإن لكل منها ظروفها الخاصة التي أفرزها واقع الدول ومعطيات الأمن والاستقرار في إقليمها إلى جانب المهددات الأمنية والعسكرية التي تحيط بمناطق العالم المختلفة، إذ لم تعد تلك المهددات مقتصرة على منطقة دون الأخرى، فهي مزيج من مسببات ومن ثم تبعات قد يصل مداها إلى ابعد من حدود هذه المنطقة الجغرافية. وهي وإن صح القول، إعادة ترتيب أوراق للأطراف الموقعة عليها، لتحقيق توجهات سياسية وأغراض استراتيجية بذاتها، ترى فيها الدول الموقعة على الاتفاقية مسلكا للحفاظ على مكانتها أو هيبتها أو حتى هيمنتها ونزوحها نحو بلوغ أعلى المستويات في التقدم العسكري، ليس فقط في حالة الحرب، بل حتى في حالة السلم.
تعددت أشكال وأنماط اتفاقيات الدفاع المشترك التي شهدتها دول العالم، وتباينت النتائج المترتبة من دخول كل منها حيز التنفيذ على أرض الواقع، بعضها حقق الهدف، في حين لم يتعد البعض الآخر مجرد كونه استعراضا للقدرات العسكرية والسيطرة لدى طرف على حساب الأطراف الأخرى، ولعل التاريخ حافل بالكثير من هذه الاتفاقيات التي بدأت منذ الاربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، والعجيب في الأمر أنها برزت إلى حيز الوجود بعد تشكل هيئة الأمم المتحدة التي كان يتوجب عليها أن تكون هي بمثابة اتفاقية للدفاع المشترك بين كل الدول التي انضمت إليها منذ تأسيسها ولغاية يومنا هذا.
فقراءة مبسطة لبنود وفقرات النظام الاساسي للمنظمة الدولية كفيلة بأن توضح الدور الأمني والدفاعي اللذين أنيطت بهما لتحقيقهما في العالم، وأن يتم ترجمة كل ما جاء من خلاله لتحقيق الأمن والاـستقرار العالمي، في الحرب والسلم، ولسنا هنا لانتقاد المنظمة الدولية، أو للبحث فيما قد يثبت فشلها في إقرار السلام العالمي وكف يد الحرب عن البشرية ورأب الصدوع بين الأطراف المتنازعة، ولكنها فلسفة للظروف المستجدة في كل فترة التي أدت إلى تبني الدول لمثل تلك الاتفاقيات، لاحتواء المواقف وإبراز القدرة التي تمتلكها كل طرف من أطراف المعاهدة فتكون بمثابة صمام أمان أو تحذير لكل من يحاول زعزعة الاستقرار والأمن لهذه الأطراف المتعاهدة.
وبتسليط الضوء على الواقع العربي، فإننا لا نجد كتابا أو دراسة سياسية تناولت منظومة الدفاع العربي، إلا وتظهر مسميات اتفاقيات عديدة تم توقيعها بين الدول العربية كلها أو مجموعة منها، من اهمها اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1950م والتي جاءت بعد عامين من النكبة الفلسطينية عام 1948م وتميزت بالكثير من البنود الحاسمة التي دعت في مجملها إلى التصدي لأي عدوان على المنطقة العربية تصديا عسكريا مشتركا، غير أن الحال عكس غير ذلك، فقد أحاطتها الإخفاقات وترتب على ذلك المساعي اللاحقة لها بين الدول العربية لإيجاد صيغة دفاع مشترك تلبي الحاجة الفعلية لهذه المنظومة. فظهرت اتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف شملت مجموعة محددة من الدول العربية كاتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال، لكن لا تزال هناك بعض جوانب القصور في التفعيل ينبغي إعادة النظر فيها خاصة في ظل ما تشهده المنطقة العربية بأسرها من اختلافات وصراعات ونزاعات. فأصبحت الحاجة الاستراتيجية والموقف السياسي يتطلب إدراج القوى الخارجية في مثل هذه الاتفاقيات خاصة وأننا أصبحنا نعيش في عالم تتنافس فيه القوى الكبرى مثل أمريكا وروسيا على إعادة التعددية القطبية في النواحي العسكرية والأمنية.
ولقد ترجمت هذه الوقائع كلها في الاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرا بين السلطنة وبريطانيا، بهدف تفعيل العمل العسكري المشترك لضمان أمن واستقرار البلدين كما أنها تمهد لمزيد من التعاون العسكري والتمارين المشتركة بين البلدين. وهي بحسب ما صرح به الجانب البريطاني الذي وقع على الاتفاقية وجاء على لسان وزير الدفاع البريطاني محاولة لتوسيع الآفاق لتصبح بريطانيا دولة عالمية عقب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ليست نظرة تشاؤمية، ولكننا يجب أن نأخذ بالأسباب التي وقفت وراء هذه الاتفاقية، فأمن واستقرار سلطنتنا يمثلان الأولوية القصوى في فكر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، ومع أن السلطنة بذلت العديد من الجهود على الصعيد السياسي لتحقيق وإرساء دعائم السلم في المنطقة وفي العالم، إلا أن الظروف والأحوال آخذة في التبدل من حين لآخر، ما يستدعي الانتباه والحذر والاستعداد لمواجهة أي خطر يحدق ببلدنا الآمن الذي نادى كثيرا ولا زال باللجوء إلى الحكمة والجنوح نحو السلم في كل النزاعات للوصول إلى واقع ومستقبل أفضل بعيدا عن الحروب والصراعات التي لا يستفيد منها إلا القوى الاستعمارية التي ما زالت تطمع في إعادة سيطرتها على مقدرات منطقتنا العربية.