سعود بن علي الحارثي
تأسيس وتنمية المكتبات الخاصة من الأولويات التي يجب أن تعيها وتتولاها كل أسرة تحرص على تحفيز أفرادها على المطالعة والبحث والقراءة والتعلق بالكتاب، وتحبيب وترغيب أبنائها في المدرسة منذ الصغر، وتهيئتهم نفسيا ورغبة تتأصل كل يوم في طلب العلم والمعرفة، وتنمية مواهبهم الثقافية ومهاراتهم على التعبير والكتابة والخيال الواسع، وتعويدهم على التفكير وطرح الأسئلة والحوار ومحاولة البحث عن الإجابات، وتعمل القراءة كذلك على إشغال الأبناء عن قضاء معظم الوقت في اللعب والعبث والصحبة السيئة وتهذب أخلاقهم وتوجههم في المقابل إلى القرناء المناسبين الذين تربطهم علاقة ولع وعشق بالكتاب، فالقراءة تؤسس لبيئة ينشط فيها العصف الذهني في مختلف مجالات وحقول المعرفة، وتفعيل النقاش وتداول وبحث واستيعاب ما تضمنه أي كتاب أتم الشخص قراءته. إن الدور الرائد الذي يقوم به الكتاب ومنافع القراءة العظيمة تتجاوز الفرد نفسه إلى الأسرة فالوطن، وقد تحوله القراءة إلى إنسان موهوب يتخطى إنتاجه العلمي وأبحاثه ونظرياته ومناهجه ومؤلفاته حدود الوطن إلى العالمية، وكم من الشخصيات العلمية والثقافية والأدبية والفكرية اعترفت في سيرتها الذاتية وفي مقابلات إعلامية بأن مكتبة البيت كانت المحفز والمؤسس والبذرة والمنطلق، ويعود لها الفضل فيما بلغته من مكانة علمية أو أدبية أو ثقافية، إذ شجعتهم على مواصلة القراءة والتفكير والتحصيل والكتابة، ورغبتهم في العلم، وأهَّلتهم لبلوغ المنزلة التي بلغوها، فمنافع صحبة الكتاب على الإنسان واسعة وعظيمة. هذا جانب، ومن جانب آخر فالمكتبات الخاصة لكي تفي بغاياتها وتحقق أهدافها تتطلب كتبا متنوعة في مختلف المجالات والتخصصات لتترك الأبناء أمام حرية قراءة ما يحلو لهم ويناسب ميولهم ورغباتهم وتوجهاتهم وقدراتهم، والابتعاد عن حشر المكتبة بعلم أو تخصص أو مجال واحد مرتبط بتخصص رب الأسرة أو زوجته أو أن تكون فقط دينية أو أدبية أو موجهة، فالتنوع مهم جدا للفكر الإنساني ويسهم في تأسيس القناعات والرؤى والأفكار على هدي من العلم والثقافة الواسعة. وفي تغريدة لي قبل سنوات قليلة كتبت في نافذتها ما يلي (إنه الكتاب .. ذلك المفعول السحري الذي يطلق المواهب من عقالها، ويبرز الإبداعات ويساعد على طرح الأسئلة وفهم المشكل منها، ويمدنا بالإجابات الشافية على التساؤلات المحورية ويعالج التصحر الفكري والثقافي الذي تعاني منه مجتمعاتنا). ومما لا شك فيه بأن معرض الكتاب السنوي الذي تستضيفه مسقط ويشكل عرسا ثقافيا لا تضاهيه مكانة ومنزلة أي احتفالية أخرى لمن يقدر الكتاب وينزل القراءة منزلتها، ويمثل فرصة يجب استثمارها لتأسيس أو تنمية المكتبات الخاصة والإضافة عليها وتحفيز الأبناء على القراءة، وعلى وسائل الإعلام والكتاب والمثقفين أن يعززوا الوعي بأهمية ودور المكتبات المنزلية، ويشجعوا الآباء على شراء الكتب لأبنائهم. إن استمرار فعالية معرض الكتاب سنويا، وارتفاع عدد دور النشر وعدد الكتاب والمؤلفين والناشرين وما تحدثه من حراك ثقافي واسع في وسائل التواصل والصحف، وإطلاق وقيام وإنشاء مكتبات ودور نشر ومبادرات من قبل أفراد ومثقفين وشخصيات اجتماعية…إلخ يقدم مؤشرا على ارتفاع عدد القراء وإقبال العمانيين على شراء واقتناء الكتب، وهي ظاهرة تسعدنا بدون شك لأنها تنبئ بمستقبل مشرق.