كاظم الموسوي
تنشط معارض الكتب سنويا في أغلب العواصم العربية، أو المدن الكبرى على امتداد الوطن العربي. هذه المعارض السنوية تعكس النشاط الثقافي العربي، وتتم فيها إضافة إلى عروض المكتبات ودور النشر وآخر الاصدارات، ندوات ومحاضرات وحفلات توقيع الاصدار والتعرف بين المؤلفين أنفسهم والقراء والزوار والمتابعين للكتب والكتاب. وباتت تقليدا مرغوبا وموعدا منتظرا لحضور ثقافي ولقاءات ثقافية واتفاقيات تعاقدية بين دور النشر والمؤلفين والمشرفين أو القائمين عليها، رسميا أو اهليا. (رغم تحول بعضها إلى صفقات تجارية أو متاجرة بالكتاب على حساب الكاتب، واحيانا يستثمر الموضوع بين الطرفين، ويقوم الكاتب، بقلب الصورة، بتحميل نفسه تكاليف الدعوات والولائم و”الحفلات”!) ويتحول بعضها إلى مهرجانات ثقافية عامة، يتذكرها روادها وزائروها باهتمام واعتزاز. ومع كل هذا تثار أسئلة كثيرة حول المعارض نفسها، زمانها ومكانها، وطبيعة الصفقات التجارية واصحابها وحول تأثير الاوضاع الاقتصادية والثقافية والسياسية على صناعة النشر وتداول الكتاب وما يتعلق بالنشر الالكتروني والتغيرات التي تجري في اتجاهات القراء وميولهم ومراحل اعمارهم. هذا فضلا عن العلاقات التجارية والاقتصادية والناشرين والدعم الحكومي وتقلب اسعار الورق والطباعة وغيرها من الأمور المتداخلة في كل ما له علاقة بالكتاب والكاتب والنشر والعرض.
لاشك أن عوامل كثيرة تلعب أدوارا مختلفة في إقامة المعارض والترويج لها وادارتها والإعلام والإعلان والتسويق والتسهيلات اللوجستية وغيرها مما تترك أثرها في كل معرض، ومكانه وزمانه.. وقد تؤثر تقلبات الأسعار والأزمات الاقتصادية على إنجاز وانجاح المعرض والدور المشتركة والمساهمة فيه، كما أن اتجاهات القراء من جهة والاتجاهات الغالبة أو المنتشرة من جهة أخرى تساهم في تحريك أو تقديم المعرض وانجاحه، هنا أو هناك، بتكامل العوامل أو توفر الظروف الملائمة والمشجعة. وتكاد معارض العواصم العربية المعروفة باهتماماتها الثقافية الفكرية أو صناعة الكتاب والإعلان عنها، أبرز المعارض التي تسجل لها أرصدة على مستويات متعددة، منها الاستشهاد بها في الحديث عنها، كمعرض بيروت أو القاهرة أو الجزائر أو الشارقة أو الرياض أو الدار البيضاء. ولا تعدم المعارض الباقية من الأثر الثقافي ولكنها تتموج عاما عن عام، أو ليس كما حصل لما ذكر سابقاً. ومع ذلك فإن المعارض الثقافية عموما تبقى مؤشرا واضحا عن المشاركات والتحضير والاستعداد والانتشار والمشاركة والانتساب والكثير من الأمور الأخرى، التي من أبرزها أهمية الكتاب ودوره في التربية والتعليم والتوعية والتنوير. ورغم أن أحوال بعض المعارض قد تراجع او انقطع في سنوات معينة لأسباب معلومة أو ضعف الاهتمام به. إلا أنه ظل محتفظا بدوره وسمعته بتغير الظروف والعوامل التي أدت إلى ذلك. كما حصل مع معرض دمشق وطرابلس وصنعاء مثلاً، أو حتى بغداد لسنوات عديدة، بعد سنوات الحصار والعدوان والغزو والاحتلال. ولكن رغم ذلك فإن اسواق الكتب والعروض غير المنتظمة للكتب لم تنقطع في أي من هذه البلدان، رغم كل شيء أو رغم انعدام ظروفه. وأحيانا تتنافس هذه الفعاليات الثقافية بحجمها واعدادها مع المعارض السنوية ومكانتها الإعلامية.
في كل الأحوال تلعب معارض الكتب السنوية أدوارا في المشهد الثقافي في كل بلد خصوصا، وفي المشهد الثقافي العربي عموما. وتعطي انطباعات مهمة على ما يجري داخل الحياة الثقافية العربية. كما يجري الجدل حول تطورات تقنية الكتاب وتأثير النشر الإلكتروني على الكتاب المطبوع، حيث زادت معدلات النشر في الدول الغربية بنسب تتراوح بين 10 و12 في المائة، الا أن ما يقال عن النشر يعتمد على المضمون والمؤلف وليس الوسائط فقط، فمنذ النشر على ألواح الطين وأوراق البردي، وصولا للنشر الإلكتروني، ومرورا بالطباعة والميكروفيلم واقراص السي دي والفلاش يو اس بي وغيرها تنوعت وسائط النشر وتعددت وظل الكتاب الورقي المطبوع صامدا رغم كل تلك التطورات. أو مازال مطلوبا ومرغوبا، كما أكد مختصون بهذه الشؤون.من جهة أخرى، رغم كثرة المعارض والتطورات التقنية في صناعة الكتاب والعرض والإعلان، فإن ثمة تراجعا ملحوظا في النشر في الوطن العربي عموماً، وهذا ما صرح به مسؤول اعلامي عن المعارض، من مصر: “هناك مشاكل في صناعة النشر في مصر، والعالم العربي لن تحل إلا بتدخل الحكومات ودعمها، أهم تلك العوامل هي نسبة الأمية، وعزوف المتعلمين عن القراءة، والاعتداء على الملكية الفكرية، كذلك هناك انكماش في أسواق كبيرة للكتاب في المنطقة نتيجة الأوضاع السياسية، مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا، فضلا بالطبع عن ارتفاع تكاليف الورق والطباعة والتي تترك أثرها على الاسعار”. وأضاف : “العالم العربي ينتج من 35 إلى 40 ألف كتاب في العام، وهذه النسبة تبدو متواضعة في كل الدول العربية، فإسبانيا وحدها تنتج حوالي 45 ألف كتاب سنويا، ونسبة مصر من إجمالي ما ينتج من كتب في المنطقة العربية من 25 إلى 30 في المائة فقط، ولكن لو حذفنا الكتب الحكومية والإصدارات الحكومية، ستتراجع النسبة بشكل ملحوظ”.بالمقارنة مع ما يحصل في أوطان أخرى، مجاورة أو بعيدة، واهتماماتها الثقافية والتقنية يتطلب الأمر العودة إلى ما يسمح به القانون الأساسي والإرادات الوطنية الثقافية، فتكاد مثلا كل الدساتير في البلدان العربية تضمن حرية الكلمة والتعبير والنشر والتوزيع والطباعة وما يتعلق بها، كما يؤمن دعمها ومتابعة تطوراتها. وهذا يعني أن مسؤولية كبيرة تقع على الكتاب والناشرين والموزعين والمهتمين بالشؤون الثقافية، وتكشف المعارض وجوها من هذه المهمات والمسؤولية المشتركة، وأي إخلال فيها ينعكس عليها ويتطلب مراجعتها وعدم التوقف عندها. وينبغي التعامل معها بجدية وحرص على مواكبة التطورات والمستجدات والتقدم الى الأمام دائما.
تكون المعارض واجهة أو صورة للمشهد الثقافي، وبضوء ذلك يحكم على دورها في دعم القراءة أو توفير ظروفها وامكانياتها على الصعد المختلفة، بما فيها الأسعار والتجهيز والخدمات وغيرها مما يصنع حالة صحية واجواءا ملائمة للثقافة والاهتمام بها. ويضع الأزمة العامة في هذه المجالات في حدود يمكن التغلب عليها، أو تجاوزها وبناء مشاريع تنموية قادرة على الربط والتنسيق بين كل الاطراف، الكتاب والقراء والناشرين والإداريين ومن يهمهم الأمر إلى ما يحقق الأهداف منها.