النهضة: لسؤالها يبكي القلم؟!

1

 
أ م.د سامي محمود ابراهيم
 
رئيس قسم الفلسفة /كلية الآداب/ جامعة الموصل/ العراق
حين اتت السبع العجاف على سنابل حقل الروح تسلل غول الجدب الضمير.
من موسيقى الاسئلة الموؤدة والأمل المصلوب تنتفظ الحقيقة . هكذا تبدو الإنسانية حين تفخر طينها نار الحروب. نشد وثاق الحروف ونبحث عن الحاء وعلى شاطيء الليل تبكي الألف حزن الضياع. فلابجديتنا المشتتة احاول ان ارسم لغة واحدة فتخونني الكلمات… اضرم الجمر باهداب الحروف ، اجمع ما تناثر بذات المشجب الذي فرقنا يوما ورحل. قصائدنا ما تزال مخضبة بالتمرد، تفرض الجزية على الكلمات، تردد اغاني الموت لتنتفي الحياة. فمنذ باديتنا الأولى ادمنا الرحيل لنترجم ما في الرمل من أحزان ، ونعقر للامنيات الشجون… نجفف احزاننا الماضية في شتاء دامع عند ساحل اللقاء.
فاستوقفنا الدهر طويلا ثم قال: حدثوني عن نشاتكم الأولى ، لكننا قبل أن نجيب ، شكا الدهر مرارة الانتظار.
بقينا تجتر نفس السنين وعلى اوتار الحنين تنشر همومنا عند باب الزمن . خلعنا الحقائق وانتعلنا الأوهام. نهضتنا مبنية للمجهول وأفكارنا ممنوعة من الصرف. نعيش حضارتنا المكسورة بضم جراحها، وها نحن في هواها نخالف الإعراب.
ننام فوق التراث ونلتحف الأحلام. تعطلت سفننا فوق صخور الواقع وصرنا تستجدي قوارب النجاة من الغرب الذي غابت شمسنا في افاقه البعيدة. رسبت همومنا في امتحان العقل، وقسمتنا لا تحتملها رياضيات الروح. سقطت قيمنا في قاع المحيط العالمي المظلم وصرنا لا نرى حتى النهار.
وليس يصح في الأذهان شيء
اذا احتاج النهار إلى دليل
خرجنا عن مسطور الكتاب العظيم ومدلوله الوجداني الرحيم، ذلك النص الذي يبلغ الأرواح ويخاطب العقول ويقرأ عبر صفحات القلوب. يصطاد الحقيقة في الماء أو في الصحراء او في النظر إلى السماء .
تلك هي الحقيقة الحسابية التي لا تقبل التعويض.
لكن متى القلب في خفقانه اطمان؟؟!!
كيف يمكن لبياض قلب الحقيقة أن تقدم نفسها للعالم دون إخضاع لعملية تجميل قسرية في صالات تشريح النص واستءصال المعنى بأيدي أمهر لاعبي التفكيك العالمي المعاصر بهدف تقويض نماذج الحضور التي تستند إليها الحضارة الإسلامية بما يسمح بظهور بدائل حضارية وازاحة النص الديني للانخراط في عوالم المعاني المتخيلة والهوامش المربكة في عقلية الإنسان الغربي. . يصطادون سمكنا على حافة ما كان نهرا وجف!!
وها انا قد نقلت مخططا حقيقيا: وناقل الكفر ليس بكافر..
هكذا يبدوا العالم وكانه صراع بين نجدين بين ضدين. فمتى يأتي اليوم الذي تتوحد فيه وجوهنا شطر أنفسنا… فلا صفاء والقلب اسود لا يرى غير الرفض والنكران… لون رفض الحياة وفي المقابل التميمة ضد الزمن. ضد من!؟
ومتى القلب مع العقل اتزن؟!
أوصلنا منطق الفوضى الامريكية إلى مرحلة المابعديات التي عكست جليا أسوأ المراحل التي مرت بها البشرية وهي تجوب الفضاء الخارجي عبر الكبسولة الكونية العجيبة وهي تبحث عن جزيرة الأمل الرافضة لشتى أشكال وصور الفوضى والعدم!.. فيا لعزاءنا هذا من عزاء!
يتحدثون عن الصدفة وما يهلكهم الا الدهر ونحن نتحدث عن الواحد الذي وحد الممكنات، فنقول:
الممكنات المتقابلات وجودنا والعدم والصفات
أزمنة أمكنة جهات
كذا المقادير روي الثقات
ختاما: اختلفت الحريةمع القدر في كون الإنسان مسيرا ام مخيرا، فالحرية تقول انه مخير ، والقدر يصر على انه مسير ، وبعد جدال طويل احتكما الى العدل الذي حكم ببراءة القدر وعاقب الحرية بنفيها من دائرة الخدمة والشؤون الإنسانية، قائلا لها، كلنا يعرف أن الإنسان مخير لكني اعاقبك لأنك جادلت القدر.
هكذا بقيت احلامنا الضائعة تتلاشى بين أطياف المكان. ما زال فجرنا العقيم يحتضر تحت أعتاب المغيب.
عذرا اخي الإنسان فقلمنا اسود لا يرسم الالوان….. وضميرنا ميت لا يسمع آيات الصفح والغفران…. عذرا اخي الإنسان فاوراق مشاعرنا ممزقة من كثرة النسيان… عذرا فلم تعد تحركنا عيون طفل جاءع وصيحات ام تشكو قسوة الأزمان. بل وينظم عقلنا في البكاء قصيدة اشتعال القاهرة وبغداد وسائر البلدان.
هكذا أنا وانتم وكأننا في فترة نقاهة خارج الكون ، نتسلى بمطاردة الأحلام، فلا جديد تحت الشمس التي تحترق لاجلنا ونحن نتغزل بالقمر . تقلبنا ذاكرة الأيام حتى لا نصاب بالتعفن. وبين الهشاشة والصلابة قصة تطرفنا الذي اغرقنا حتى القاع.
ففي مدن تعج بقطع الغيار الآدمية يغتال الضمير وتسلب الإنسانية ، مما يدفعنا إلى السفر عبر فضاءات الروح وعوالم الزمن البعيدة. فندرك انه لا شيء ميت الا ظاهريا… فطبيعة الوجود ملأى بالحياة . لذلك ففي كل مرة تملأ سحب اليأس عقولنا لا نلبث أن نحس يدا تربت على اكتافنا وأخرى تملا السراج فيضيء، واذا بنا نبصر اثار أقدام تؤنس وحشتنا وعندئذ يعود القلب للغناء، حتى اذا اذنت شمسنا بالغروب ايقنا أن هذا الغروب سيكون شرقا ما في مكان ما.
ولكن الناس تاهوا في الخبر عندما فقدوا الأثر..
إذ كيف ستبصر العين وجه الحبيب المسافر ..
وهي عين لا تبصر غير الصور؟ ! فلن نرتوي أبدا من كأس الحياة.
انها الدنيا وهذا الجمال، ونحن فيها نطارد المستحيل .
فمنذ سنين لبسنا قشرة الحداثة والروح جاهلية .
فما نزال مجتمعات تقليدية رغم كل مظاهر الحضارة المستوردة والمدنية السطحية. من هنا تأتي أهمية مسألة مراجعة اصولنا المعرفية وجذور البنية التقليدية لثقافتنا الدينية والدنيوية، لا بهدف التكرار او الإعادة او اجترار ما لم يعد صالح بغية إرضاء الحال وتمويه الواقع، بل لغاية نقد تلك الجذور تواصلا وانقطاعا في الوقت ذاته، إذ لا انقطاع بلا تواصل نقدي مبدع وخلاق يراعي ظروف العصر وشروط الواقع ومتطلبات الإنسان المعاصر . اما التواصل لغاية التواصل وحدها فهو التقليد الذي نهيان عنه شرعا وعقلا، ومغبون من تساوى يوماه. ما زلنا كاهل الكهف ايقاض نيام…ما زلنا نتنفس الغزالي ونعيش مع ابن تيمية رغم السياق التاريخي والفارق الزمني .. رغم التقدم العلمي والثورات المعرفي والمنهجية ما زلنا نطمح بقراءات رشدية نرتجي منها الحلول .

التعليقات معطلة.