أحمد الحناكي
عندما غادر مدير مكتب قناة الجزيرة السابق في واشنطن حافظ الميرازي العمل بها في 2007 قال عن قناته سابقاً في حديث لجريدة «الحياة»: «لم أعد قادراً على الاستمرار في دفاعي عن قناة «الجزيرة» داخل أميركا».. هكذا استهل مذيع قناة الجزيرة الميرازي حواره حول أسباب تركه القناة القطرية.
وأضاف: «هذا القرار يراودني، وتحديداً منذ أن تولى وضاح خنفر إدارة القناة، منذ ذلك الحين والجزيرة أخذت بالتغير، على رغم أن خنفر شخص مهذب إلا أنه تنقصه الخبرة الصحافية المطلوبة لإدارة هكذا محطة، فلا يكفي مثلاً أن تكون مراسلاً نشطاً لتصبح مديراً لقناة بحجم الجزيرة».
ووضح الميرازي أنه منذ اليوم الأول لعهد خنفر تجلى التغيير في المحطة، خصوصاً لجهة اختياره مساعدين ينتمون في غالبيتهم إلى التيار الإسلامي المتشدد، ويضيف: «عبّرت عن تحفظي مراراً للسياسات المترتبة على هكذا تغيير، لاسيما أن الجزيرة تخطت الخط الأحمر، وكنت حريصاً على ألّا تتحول القناة إلى تلفزيون «حماس»، ولكن هناك فارقا بين تلفزيون ناطق باسم حماس وقناة الجزيرة التي يجب أن تلعب على نغمة «الشارع عاوز كده»، لأن من شان ذلك أن ينسف كل المعايير المهنية».
نعم، هي تصريحات مثيرة آنذاك، ولكن ليست مفاجأة لمن يحلل القناة من مضمون مهني بحت، وبمعزل عن الدوافع الحقيقية لاستقالة الميرازي وصحة تبريراته من عدمها إلا أن ما قاله عن القناة يعبر عن سياستها فعلاً؛ فالقناة القطرية بدأت بقوة مثيرة للانتباه، غير أنها لم تستمر بالزخم نفسه، ففي العرف الإعلامي هناك عنصرين رئيسين هما: «الرأي والخبر»، في الجزيرة يتم الخلط بينهما في كل دقيقة من برامجها.
من وجهة نظر -أقر أنها غير محايدة- فالعربية تتفوق على الجزيرة، ولكي نرى الأمر بشكل موضوعي يجب أن ننسى انحياز القناتين لدولتيهما، فهو أمر طبيعي، في المقابل علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مكانة البلدين في العالم وثقلهما من جميع النواحي الذي دونما ريب محسوم للسعودية. بالمناسبة عندما تغطي قناة الجزيرة أحداثا في السعودية أكثر بكثير من تغطيتها لدول عربية أخرى لا يجب أن نشعر بالغيظ أو الأسى، فمكانة الدولة تجبر أو تغري أي قناة بالخوض في غمارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة جمهور الدولة المتعطش للانفتاح، إلا أن الخطأ الذي تقع به القناة إنما هو في تصيد أي سلبية في السعودية، مغلّبة الرأي (وهو دائما سلبي) على الخبر، بل إن هناك مناسبات كثيرة وأحداثا إيجابية كبيرة وكثيرة من جميع النواحي، سياسي واقتصادي ورياضي وثقافي وفني، يتم تجاهلها أو القفز حولها أو البحث عن مثالب بها. قد يقول قائل: وماذا عن العربية، ألا تعمل بالمثل؟ الجواب قطعا «لا»، وكبيرة أيضا لسبب بسيط هو أن الأحداث والمناسبات التي من الممكن أن تحدث في قطر لا ترقى إلى حدث قد يؤثر في العالم العربي أو حتى العالم، فهي ليست السعودية أو مصر أو سورية أو العراق. هذا جانب، الجانب الآخر هو الأجندة الثابتة لقناة الجزيرة وهي استقطاب المتشددين أو حتى الارهابيين بشكل يثير القلق فعلاً، ففي الماضي صورت الأحداث الدموية في العراق بأنها مقاومة شرعية للاحتلال، بينما المقاومة هي أحد الأطراف، والمثير الآن أنها تساند نظام البشير في الوقت الذي تدعي فيه أنها مع الشعوب، وبرأيي أنها لا تقيم وزناً لا لهذا أو لذاك، بل إن دورها الرئيس هو تمزيق الوطن العربي والتمهيد الكبير لمشروع القرن بفرض العدو الصهيوني، ناهيك عن ذلك التخبط في تغطيتها لدول الربيع العربي.
العربية شيء آخر، فهي تبحث عن المهنية مع أن طريقها وعر وصعب في ظل شارع يغلي بالكره لأميركا وللكيان الصهيوني، والاتهام للعربية بـ «الأمركة» أو تسميتها بالعبرية كشتيمة، يحمل فهما إعلاميا خاطئا مردّه إلى أننا لم نتعود إلا على الانحياز. نعم، لا توجد قناة حرةً تماماً دونما قيود، ولكن العربية في هذا المجال أصبحت مدرسة في المهنية، بينما الجزيرة ما زالت في المدرسة القديمة لمحمد سعيد الصحاف.