جودة مرسي
سأل الصحفيون تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا وهي على متن الطائرة متوجهة إلى القمة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في مصر إذا كانت ستبقى في السلطة بحلول عيد الميلاد، فردت عليهم بإصرار أنها غير مستعدة “للعب تلك الألعاب” ـ حسب صحيفة التايمز البريطانية ـ وذلك بعد رفض البرلمان البريطاني اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي قدمته حكومتها “البريكست” ووافق عليه الاتحاد.
وفي مطلع فبراير الجاري قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإغلاق الحكومي ووقف الرواتب للضغط على الكونجرس، فقررت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي منعه من إلقاء كلمته أمام المجلس، فرضخ بعد أيام وألغى قراره، فسمحت له بإلقاء خطابه.
المشهدان منقولان عن ممارسات ديمقراطية لنظامين سياسيين، الأول تواجه فيه رئيسة الوزراء البريطانية مخاطر العزل بسبب رفض البرلمان خطة حكومتها التي منحتها هي وحزبها ـ المحافظين ـ الصلاحية لتولي السلطة بعدما حازت على أغلبية الناخبين، وفي ظل دعوة حزب العمال لإجراء استفتاء شعبي آخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل شهر واحد من الدخول الرسمي في مرحلة التنفيذ، لكنها ألمحت للصحفيين أنها غير مستعدة للعب تلك الألعاب، في إشارة منها إلى التلاعب بالديمقراطية لتمرير الاستيلاء على السلطة.
وفي المشهد الثاني ـ أي في أميركا ـ صراع قوي بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في أكبر دولة في العالم، فلم تنحنِ نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي التي عينت قبل شهر واحد من موقفها، ولم تحاول استرضاء رئيس الدولة على حساب الشعب، ولم تجعل سلطتها سوطا تستخدمه الحكومة لجلد المواطنين لشرعنة وتنفيذ خططها وبرامجها الانتخابية، في الوقت ذاته الذي وقفت فيه أمام تنفيذ وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية والتي ترى هي وحزبها أنها تعمق الانقسام داخل البلاد.
ارتقت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي إلى السلطة بناءً على رغبة شعبية، فاحترمت رغبة الإنجليز وأعلنت تبرؤها من مخططات مستقبلية للاستيلاء على السلطة رغم أن تصريحها في صالح الحزب المعارض لحكومتها؛ بينما استمدت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في النواب الأميركي قوتها من أصوات الناخبين، فواجهت حكومة هي الأعظم على مستوى العالم حاليا، ورئيسا قادرا على البطش بأي قرار أو إجراء يقف أمامه، لكنها واجهته وانتصرت.
وحسب تقييمي فإن المرونة والقوة التي تستمدها المؤسسات والمسؤولون في الأنظمة الديمقراطية ترتكز على اعتماد الدول الديمقراطية على تعزيز أثر نظرية الاختيار الشعبي التي تمنح كل ناخب القدرة على التأثير في القضايا السياسية والاقتصادية، وتعظم من تأثيره في صناعة القرار عبر آلية الانتخابات والممارسة الديمقراطية.
على النقيض تماما تجد النظم الشمولية تحط من قدر وتأثير الناخبين، وتغذي توجهات إهمال القضايا السياسية والاقتصادية، وتتجمل أمام الرأي العام بإنجازات وهمية، كما تسمح لمجموعات المصالح الخاصة ـ سواء مؤسسات أو كيانات أو أفراد ـ باختراق النظام الاقتصادي للدولة وبسط سيطرتها على الموارد المالية والتوغل في الأنظمة، ومن ثم توجيه السياسات إلى ما يخدم مصالحها ويعزز بقاء الأنظمة.
لا شك أن مختلف دول العالم، التي يعتمد حكمها السياسي على النظام الجمهوري أو البرلماني أو المختلط، تتطلع إلى بريطانيا بصفتها منارة الديمقراطية، وإلى الولايات المتحدة لأنها رائدة في تنافس وتكامل صلاحيات الأجهزة داخل الدولة، وتسعى جاهدة لأن يكون شعبها له إرادة مثل الموجودة في بريطانيا أو أميركا؛ لكن هذه التطلعات تصطدم دائما بمجموعات المصالح الخاصة التي ترعاها أنظمتها السياسية، فتحطمها بداعي الحماية والسلام والاستقرار.