أ م.د سامي محمود ابراهيم رئيس قسم الفلسفة/ كلية الآداب/ جامعة الموصل العراق
إننا لا نملك الا لحظة واحدة من لحظات العمر ، لكن تلك اللحظة كفيلة بان تجعلنا ننسجم مع اهداف الحياة. بمعاني اشد فاعلية من الكلمات والالفاظ. ففي مسرح العاطفة وكوميديا العقل ، القلوب ارجح وزنا من الالسن واللغات. فلم تعد الانسانية بحاجة الى لغة مشتركة ولسان عالمي اكثر من حاجتها الى قلب واحد، رؤية مستقبلية واحدة، ضمير واحد. فقد ذكر في التوراة ان شعوب الارض جميعا كانت تتكلم لغة واحدة، ولكن الناس عصوا الرب حين تراءى لهم ان يشيدوا برجا يصل بهم الى السماء، وضاق الرب بهم وعرف ان الناس اذا ما ظلوا يتحدثون بلسان واحد فسوف تتهيأ للانسان الاسباب التي تمكنه من بلوغ ماربه . لذلك قرر الرب ان يشيع الاضطراب بين ألسنة البناة حتى لا يفهم احدهم حديث الاخر ومن ثم لم يكتمل بناء برج بابل. ولكن على الرغم مما تتسم به هذه القصة من سذاجة الا انها تتضمن بعض الحقيقة. إذ لو اتحدت الشعوب جميعا فانها تستطيع ان تحقق اعمالا ضخمة. وفعلا ارتقى انسان حضارة الجنون والتسلط الى السماء بغير حاجة الى ان يشيد برجا. اما حضارة بابل فقد نزلت الى الحضيض ولم ترق الا في تابوت موتها الذي بقي كابوسا يلازمنا الى يومنا هذا. ورحم الله شعبا عرف قدر نفسه. وكأن الحياة لعبة تمارسها الحضارات الدنيا على حساب الإنسانية. ونحن انفسنا من ينقذها من الضياع، نجعلها ذات ضرورية في سلسلة الحضارة العالمية ، وبذلك نتخلص من حتمية السقوط والانحدار الى حتمية النهوض في مسار الحياة العالمية. هذا التحول يتزامن مع رؤية علمية عالمية كونية تمتلك بصرا حادا يغوص في اعماق بئر اللاحتمية لينتشل سر كينونتنا الغامض … والاشكال الغالب ضعف عقل جمع الامة المخذول يرى ان المستحيل هو الحل.. وان حياة ترمي الى هذا الهدف ستكون شاقة جدا ومرهقة؟؟!! هذا عقلنا المغيب المؤدلج، اما عقلنا الواعي المستنير بمقاييس العقلانية فقد أقر ويقر انه ليس هناك عسل اشهى من المعرفة ، وانه سيشرق اليوم الذي تكون فيه السحب التي تجر الكدر غيثا يعمر الحياة….. يمطر الارض خضرة وجمال..