د. أسامة نورالدين:
في مشهد لافت، واستمرارا لمسلسل الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني، قامت حركة فتح بتنظيم مسيرات داعمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن”، ردا على المسيرات التي نظمتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة للمطالبة برحيل الرئيس عباس، ليتعمق الخلاف والانقسام بين السلطة الفلسطينية من جهة وحركات المقاومة وعلى رأسها حماس من جهة أخرى، ولتزداد معهم معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعاني التهجير في الضفة الغربية والحصار في قطاع غزة، وذلك في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية بأخطر مراحلها، وسط تزايد الدعاوى الخاصة بمضي إسرائيل وحلفائها في البيت الأبيض في تنفيذ “صفقة القرن”، والتي وصلت ـ وعلى عكس ما يتوقع الكثيرون ـ إلى مستويات غير مسبوقة، ما يجعل من الانقسام الفلسطيني مصدر سعادة لإسرائيل، التي تستغل هذا الانقسام لفرض الأمر الواقع والمضي قدما في سياسات التهويد والاستيطان دون خوف من انتقادات أو عقوبات دولية تفرض عليهم.
إن الوقت الذي يضيعه الفرقاء الفلسطينيون في حل خلافاتهم التي تحرص الحكومة الإسرائيلية على تعميقها، هو ما تستغله إسرائيل في إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية والخارجية بالشكل الذي يصب في صالح الكيان الإسرائيلي وتثبيت أركانه بشكل يصعب على الأطراف الإقليمية والدولية تغييره، ولتصبح “صفقة القرن” التي نظن أنها لم تعلن وأنه من الصعب تنفيذها واقعا معاشا لا يمكن الاقتراب منه.
فبعد الانتهاء من ترتيب الأوضاع في المدينة المقدسة التي أعلنتها الولايات المتحدة عاصمة أبدية لإسرائيل والتي يتوقع أن يتبعها دول أخرى تنتظر الوقت المناسب لنقل سفاراتها إلى القدس، وبعد القضاء على مشكلة اللاجئين بالشكل الذي تريده إسرائيل، واستكمال عمليات بناء المستوطنات في الضفة الغربية، والقضاء التام على عملية التواصل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ماذا سيبقى ليتم التفاوض بشأنه مع إسرائيل؟!
للأسف الشديد لن يبقى شيء سوى الإذعان للأمر الواقع، بعد أن تكون إسرائيل قد انتهت من وضع الحدود النهائية لدولتها المزعومة، وترك الفلسطينيين يعانون الحصار والألم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليبقى الفلسطينيون يعيشون في ظل دوامة الخلافات التي لن تنتهي طالما يتمسك كل طرف بمصالحه الخاصة والتي تعلو فوق المصالح الفلسطينية العليا.
وفي ذلك لن يحدث أي تعاطف لا إقليمي ولا دولي مع الشعب الفلسطيني، ففي ظل استمرار حالة الضعف والانقسام العربي، سيظل الشعب الفلسطيني يواجه بمفرده وبصدوره العارية عمليات التهويد والاستيطان التي لا تتوقف، وللأسف لن يكون بمقدروه في ظل حالة الضعف العام التي يعاني منها الجميع الاستمرار في تلك المواجهة غير المتكافئة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الانقسام الدولي خصوصا ما بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، يتوقع أن تتجاوز إسرائيل طموحاتها الداخلية لأن تصبح رقما صعبا في معادلة التطورات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما لا يصب في صالح القضية الفلسطينية ولا في صالح الحصول على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
لذلك فإن ضياع الوقت والعمر في الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني لا يصب إلا في صالح إسرائيل التي تعتبر هذا الخلاف مصدر سعادة لها، لأنها لا يساعدها في تنفيذ مشاريعها المستقبلية في الداخل وحسب، وإنما يوفر لها الأجواء المناسبة للانطلاق والتمدد في الخارج على حساب المصالح الفلسطينية والعربية، لذلك ما لم يتوقف هذا الخلاف ويرتقي الفرقاء لمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فسوف نصحو جميعا على كارثة ضياع القدس ومعها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة مستقلة على حدود عام 1967.
كاتب وباحث علاقات دولية