د. أسامة نورالدين:
تذكرني زيارة صهر الرئيس الأميركي ومبعوثه الشخصي جاريد كوشنر عدة دول خليجية بالإضافة إلى مصر والأردن، للتباحث حول عملية السلام المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”، بزيارة ثيودر هرتزل مؤسس الدولة الصهيونية ورئيس المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897 للسلطان عبد الحميد الثاني عام 1896 لعرض هجرة اليهود إلى فلسطين لإنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا، مقابل التعهد بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وتزويد الخزينة العثمانية بما يفيض عن حاجتها، الأمر الذي رفضه السلطان عبدالحميد الذي أكد أنه لا يستطيع بيع ولو شبرا من هذه الأرض التي هي ملك للمسلمين، وأنه لن يتخلى عن شبر واحد من فلسطين ولو تم تقطيع جسده قطعة قطعة.
ويبدو أنه بالرغم من مرور أكثر من قرن على تلك الزيارة إلا أن المبعوث الأميركي لم يفهم بعد حقيقة الموقف العربي والإسلامي من القدس وفلسطين، وأنه لا يمكن القبول بسيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين، فلو كان الأمر متعلقا بالمال لانتهى الصراع العربي الإسرائيلي منذ فترة طويلة، ولكن ما لا يعلمه اليهود أو يتغافلون عنه أن المسألة مسألة عقيدة ودين، وأن فلسطين ليست ملكا للفلسطينيين وحدهم، بل هي وكما قال السلطان عبدالحميد وقف إسلامي لا يمكن التنازل عنه ولو تم تقطيعه قطعة قطعة.
وما قاله السلطان العثماني منذ عشرات السنين هو نفس ما يقوله وسيقوله أي عربي مسلم في مصر والأردن والخليج وأي دولة إسلامية أخرى، فما يربط العالم العربي والإسلامي بفلسطين أكبر مما يمكن أن يتخيله الصهاينة والأميركان، ويخطئ الرئيس ترامب عندما يظن أن بإمكانه إنهاء تلك القضية بهذا الشكل الذي يسوق له مبعوثه الشخصي كوشنر في المنطقة.
وينسى ترامب أن ما يقوله الآن سبق وأن تم عرض ما هو أفضل منه من قبل إدارات أميركية سابقة ورفضه العرب والفلسطينيون، وأن ما يحاول فرضه بالقوة بما في ذلك نقل سفارته للقدس بدلا من تل أبيب كمحاولة لتأكيد أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل لن يكتب له النجاح، ولن يقبل به لا عربيا ولا إسلاميا، وأن ذلك سيظل شوكة تؤرق مضاجع الصهاينة.
فإذا كانت موازين القوى الآن ليست في صالح العرب، وأن ذلك يفرض عليهم تقديم بعض التنازلات للصهاينة والأميركان، فإن ذلك لا يعني التخلي عن القضية والتنازل عن القدس مقابل حفنة من الأموال، ولكن ستظل كل القضايا معلقة، ولن ينعم أحد بالسلام الموعود الذي يروج له ترامب وأفراد إدارته، بل سيترك ترامب المنطقة وإسرائيل على صفيح ساخن، وقد تتسبب تلك السياسات غير المدروسة في تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط وليس فقط في فلسطين.
فإذا كانت الإدارة الأميركية جادة مثلما تزعم وتريد حلا نهائيا للصراع العربي الإسرائيلي، فليس أمامها سوى الاحتكام لقرارات الشرعية الدولية التي تشرع لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، أما الاستمرار فيما يعرف بـ”صفقة القرن”، والاعتقاد بأن تقديم بعض الأموال لإغراء الفلسطينيين بالتنازل عن حقوقهم من شأنه أن ينهي الصراع إلى الأبد فهذا حلم بعيد المنال.
كاتب وباحث علاقات دولية