فاطمة ناعوت
فريق من علماء الطب العصبي استنتجوا بعد دراسات واستقصاءات أن الحب الرومانتيكي يدوم على نحو طبيعي ما بين اثني عشر، وثمانية عشر شهرًا. والحقُّ أن دراسة العلماء للمخ البشري تقترح أن الحب بوسعه أن يدوم سبعة عشر شهرًا الحبُّ ظاهرةٌ مُحيّرةٌ دون شك. لهذا احتشدتِ الرواياتُ والقصائدُ والأغاني بطرح تباريحَ وتنويعاتِ تلك الظاهرة الُملغزة. فكما يأتي الحبُّ دون دعوة، بوسعه كذلك أن يتبخّرَ دون إنذار. ولهذا غنّت ڤايوليتا، في أوبرا ڤيردي التراچيدية “لا تراڤياتا”: “دعنا نعيشُ للبهجة وحدنا، طالما الحبُّ، مثل الزهور، سرعان ما يذبل”.
عرّف أفلاطون هذه السِّمة في “إله الحب” الذي تخيّله الإغريق، فقال: “بحكم الطبيعة، فإن إله الحبّ ليس خالدًا، ولا هو غير خالد أيضًا. أحيانًا في يوم واحد يضرب بسهمه في قلب الحياة… ثم يموت، ثم… يعود للحياة من جديد”. الحبُّ مُتقلّبٌ ذو نزوات، متطايرُ، متذبذبٌ، غيرُ ثابت؛ بوسعه أن يتبخّر، يُضرم نيرانه، ثم يخبو من جديد.
ولكن، لأيّ أمدٍ يستمر سحرُ الحب؟ لا أحد يعرف. فريق من علماء الطب العصبي استنتجوا بعد دراسات واستقصاءات أن الحب الرومانتيكي يدوم على نحو طبيعي ما بين اثني عشر، وثمانية عشر شهرًا. والحقُّ أن دراسة العلماء للمخ البشري تقترح أن الحب بوسعه أن يدوم سبعة عشر شهرًا.
وأما بروفيسور “هيلين فيشر”، أستاذة علم الأنثروبولوجي الأمريكية، التي ترجمتُ لها كتاب: “لماذا نحب؟ طبيعة الحب وكيمياؤه”، وصدر عن المركز القومي للترجمة بمصر عام ٢٠١٥، فتقول: “على أنني كبروفيسور في الأنثروبولوجي، أراهنُ على أن أمد الحب يختلف على نحو كبير، تبعًا لطبيعة الشخوص المتورطين في الحب. معظم الناس قد شعروا بحال عابرة من الافتتان قد تستغرق أيامًا ربما أو بضعة أسابيع. وكما أثبتنا في جولاتنا الميدانية، حينما تكون هنا عوائق للعلاقة، فإن ذلك الوهج قد يظل مشتعلاً لسنوات عدة. لأن المحن تؤجج العشق الرومانتيكي. على أن تلك النيران في القلب تميل إلى أن تخبو تدريجياً إذا ما انخرط العشاقُ في حال الاستقرار اليومي من المتع، حيث يتم إحلاله في منطقة أخرى من المخ: التواصل- الشعور بالسكون والتوحد مع المحبوب”.
وهل بوسع الحبّ أن يتخذ صورًا عديدة؟ بالطبع، بوسع الحب الرومانتيكي أن يتخذ أشكالاً عدّة، كما يؤكد ذلك الكتاب الجميل. بوسعك أن تستيقظ وحيدًا في منتصف الليل تغمرك مشاعر اليأس والإحباط. ثم تأتيك مهاتفةٌ أو إيميل من حبيبتك في الصباح، فتبدأ آمالُك في الانتعاش من جديد. ثم تقابل حبيبتك على العشاء فتتكلم وتضحك فتتحول فورة مشاعرك إلى حال من الأمن والسلام. وبعد العشاء تقفزان على الفراش، لتقرآ معًا في كتاب ما. وسرعان ما تغمركما الرغبة الحسيّة. ثم في الصباح تختفي حبيبتك وقد تنسى أن تقول لك: إلى اللقاء. ثم تُخلف معك موعدها القادم أو تُخطئ وتناديك باسم آخر، فتدخل في حال اليأس والقنوط والكآبة من جديد”. هكذا تقول فيشر من واقع دراساتها الميدانية في شأن ظاهرة الحب الإنساني.
“يا لها من مطاردة للفرح وسعي محموم نحو ما لا يأتي! يا له من صراع من أجل ما يهرب! يا لها من لعبة الرقّ والمزمار! يا لها من فورة البهجة المتوحشة؟” هكذا كان يعرف چون كيتس بوضوح أن الحب الرومانسي ما هو إلا ثورةُ اضطراب جُماعها دوافعُ متباينةٌ على نحو وحشيّ ومشاعرُ مختلطة من حالات ذهنية لا حصر لها. العطفُ والحنان، الفرحُ، الرغبة، الخوفُ، القلقُ، الشكُّ، الغيرة، الترقب، الارتباك، عدم الارتياح، الخجل… في أية لحظة يمكن لهذا التليسكوب من المشاعر أن ينزاح، ثم يعاود الانزياح من جديد لزاوية جديدة”.
“الحب أفضل ما يُشبّه به هو الفيضانات والأعاصير”، هكذا كتب السير ولتر رالييه. نسبحُ في ذلك المد والجزر إلى مالانهاية. ولكن علماء النفس بوجه عام يميّزون بين نوعين أساسيين من الحب الرومانتيكي: الحب المتبادَل؛ وهو المصحوب بالتحقق والفرح، والحب غير المتبادَل؛ أي المصاحب للخواء، والقلق والهم والأسف. جميعنا تقريبًا جرّبنا بهجة الحب وأوجاعه.
ولسنا وحدنا في ذلك الأمر العجيب. في كتابه: “التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوان”، يفترض تشارلز دارون أن الإنسان يتشارك مع الحيوانات “الدنيا” في كثير من المشاعر. ويؤكد بالأدلة العلمية والمعملية أن الكثير من الحيوانات ذات الفراء وذات الريش تلك التي تشاركنا هذا الكوكب، تشعر بنسخة ما من العشق الرومانتيكي. وهو ما يحتاج أن نطرحه في وقت لاحق.