عن نساء العراق في يومهن السنوي

1

 

عبد اللطيف السعدون

لست متأكداً من أن نساء العراق سيحتفلن بيومهن السنوي ككل نساء العالم، وقد واجهن مع قدومه واحدةً من أشد الصدمات هولاً وفظاعة، العثور على خمسين رأساً مقطوعاً لخمسين امرأة عراقية أيزيدية، قتلهن الدواعش بدم بارد، ما زاد من وقع الصدمة أن حكومة بلادهن لم تفصح بكلمة واحدة عن الواقعة التي كشفت عنها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، وتحدث عنها أناسٌ قريبون وبعيدون. وحدها الناشطة الأيزيدية فيان دخيل طالبت الحكومة بالتحرّك لإجلاء الحقيقة، والكشف عن مجريات الواقعة، ولكن لم نسمع رداً رسمياً ينفي أو يؤكّد.
لا تعبر هذه الرواية وحدها عما آل إليه وضع النساء العراقيات، في ظل هيمنة المجموعات الدينية المتطرّفة على السلطة والقرار، كل ما يمكن قوله إنه منذ الغزو الأميركي للبلاد، كل الأشياء تغيرت نحو الأسوأ، وإن النساء نلن حصتهن من هذا “التغيير” الذي يُنذر بمخاطر أكثر سوءاً. لندع الأرقام تتكلم؛ بلغ عدد النساء الأرامل والمطلقات في العراق أكثر من ثلاثة ملايين، أغلبهن ليست لديهن أية موارد تعينهن على رعاية أطفالهن. عدد الأطفال اليتامى تجاوز ستة ملايين. وربما تكون هذه الأعداد أقل من الحقيقة. فضحت لجنة شؤون المرأة في البرلمان “وجود إرادة سياسية تمنع إجراء إحصاء سكاني دقيق لتلافي الكشف عن الأعداد الحقيقية للأرامل والأيتام”. هنا ينطبق الوصف الذي أطلقه ناشطون معنيون بقضايا المرأة والطفل على العراق، قالوا إنه “بلد الأرامل والأيتام”، وتؤكد إحصائيات معلنة أن ما بين تسعين إلى مائة امرأة تترمّل كل يوم، جرّاء أعمال القتل والعنف الطائفي، والجريمة المنظمة.
ما زاد من سوء حال النساء الأعراف العشائرية التي عادت إلى الظهور، بعدما انزاحت زمناً عن المشهد، أبرز ما يختص بالمرأة في هذه الأعراف هو مبدأ “النهوة” الذي يعطي الحق للشخص القريب في منع زواج قريبته من شخصٍ غيره. وكذا مبدأ “الفصلية” الذي يلزم عشيرة القاتل بمنح عشيرة القتيل امرأة، أو عدداً من نساء العشيرة، تعويضاً عن القتيل. وعلى الرغم من أن هذه الأعراف تشكل انتهاكاً لكرامة المرأة وإنسانيتها، وتتعارض مع كل الشرائع والقوانين، إلا أنها ما تزال معمولاً بها لأن السلطات، خصوصاً سلطة القضاء، لا تستطيع التصدّي لها، وذلك بسبب ضعف قدرة الطبقة المتنوّرة على الفعل، واتساع تيارات التجهيل والترييف والأمية، وتوغل شيوخ العشائر في مجتمع المدينة، من خلال علاقتهم بالأحزاب
“عاد مبدأ “النهوة” بمنح الشخص القريب حق منع زواج قريبته من شخصٍ غيره. ومبدأ “الفصلية” الذي يلزم عشيرة القاتل بمنح عشيرة القتيل امرأة” السياسية والمليشيات النافذة. ومعروفٌ أن تلك الممارسات كانت ممنوعةً بموجب قرارٍ أصدره النظام السابق، يجرّم مرتكبها بالسجن ثلاث سنوات.
السيئ أيضاً هو السعي المحموم، على طوال العام، من جهاتٍ نافذة، لتعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول له، والذي يكرس “المواطنة” و”الهوية المدنية”، بهدف تضمينه نصوصاً تضع القرار بيد المرجعيات الدينية، وتعمّق التقسيم الطائفي، وتسلب المرأة ما حصلت عليه من حقوق، إذ تقر زواج القاصرات في سن التاسعة، وتحرم الزوجة من الميراث، إن لم تلد من زوجها المتوفى، ومن النفقة في حالة الطلاق، إذا ادّعى زوجها أنه لا يمكنه الاستمتاع بها بسبب سنها، وغير ذلك من النصوص التي تحوّل المرأة إلى مجرد سلعةٍ في يد الرجل.
هناك أيضاً ضروبٌ من “الغرائبية” في التعامل مع أوضاع النساء، ففي البرلمان 82 امراة يمثلن شريحة النساء في المجتمع العراقي، البالغ تعدادها أكثر من سبعة عشر مليوناً، لكن غالبية البرلمانيات لا يرفعن أصواتهن، خشية خسارتهن ما يحصلن عليه من امتيازاتٍ ومكاسب، وثمّة أكثر من سبعين منظمة مدنية معنية بأمور المرأة والأسرة. وباستثناء “تجمع النساء المدنيات”، فإن أصوات تلك المنظمات في مواجهة موجة انتهاك الحقوق بدت خافتةً، خوفاً من نقمة المرجعيات الدينية عليها، ولأنها تتبع في الأصل أحزاباً وجهاتٍ تتحكّم في القرار والتوجيه.
باختصار، ليس إلقاء اللوم على هذه الجهة أو تلك كافياً، إنما المطلوب وجود استراتيجية وطنية لتمكين المرأة من أخذ دورها الطليعي إلى جانب الرجل، وقبل ذلك توفر وعي وإردة وحماسة. ويبدو هذا كله في الآن الماثل أقرب إلى المستحيل، وليست لدينا أية أوهام في ذلك، خصوصاً بعدما تحول العراق، كما وصفه مرة كاتب أميركي، إلى عش دبابير قبلي ومليشياوي، من الصعب إصلاحه، أو ترويضه، فهو المكان الذين يدفن فيه الماضي المستقبل باستمرار.

التعليقات معطلة.