فارس بن حزام
ما لن يقبل المتظاهرون الجزائريون سماعه، المكتوب هنا؛ أن الجيش أبرز المستفيدين من حراكهم ضد ولاية جديدة للرئيس، لأنه باب ستعود منه المؤسسة العسكرية إلى الإمساك بزمام الحكم مجدداً.
فعلى مدى أكثر من خمسة عقود أحكم الجيش قبضته على مقاليد الحكم، أنتج الرؤساء وأطاحهم ولم يبلغ القصر رئيس خارج طوعه. هذا العرف السياسي أصابه الوهن في ولاية الرئيس عبدالعزيز بو تفليقة الحالية، إذ تعرّض الجيش لتدخلات مكّنت رجال الأعمال من السيطرة على قرار الرئاسة، وبدأوا في طرد جنرالات السياسة، وإحلال جنرالات تحت القصر وليس فوقه. كان الفريق محمد مدين الضحية الأولى والهدف الأسمى لإحداث أي تغيير داخل القلعة الحصينة. كنيته السياسية «الجنرال توفيق»، وكنيته الشعبية «السيجار»، وتروي عنه الكواليس نفوذه وصلابته في صناعة الرؤساء والقرارات الكبرى. رجل النظام الأول كان له نظامه الخاص، وقوانين سيّر بها عمله والحياة السياسية في الجزائر.
احتاج حكام قصر الرئاسة الجدد ثلاثة أعوام حتى استوعبوا أنهم أزاحوا الفريق محمد مدين فعلياً، وأنه بات بلا حول ولا قوة تعيد نفوذه، فعادوا ليستكملوا مسيرة تطويع الجيش، وشهدنا العام الماضي مهرجان إقالة واسعاً داخل وزارة الدفاع، تطاير فيه القادة مثل ريش النعام الخفيف. كان المشهد واضحاً للجزائريين ومن يراقب تحولاتهم، إذ كل ما يجري تحضير رسمي لانتخابات تبقي الرئيس بو تفليقة.
لقد فعل رجال الأعمال النافذون حول بو تفليقة ما فعله رجال جمال مبارك في نهاية حكم والده لمصر؛ طوقوا البلاد، وعزلوا الجيش عن السياسة، وشكلوا الحكومات والبرلمان، وفرشوا الأرضية لتمديد حكم الرئيس أو توريث نجله، فحصل ما يعرفه الناس في 2011.
وطبيعة القادة العسكريين، ممن ذاقوا طعم السياسة، لا تعينهم على تحمل البقاء خارجها. ولذا، نجد أن الرياح في الجزائر ربما تجري بما تشتهيه المؤسسة العسكرية، فالرفض يتمدد في عموم الجزائر، والحزب الحاكم فاقد لزمام المبادرة، والرئيس ومن حوله محاصرون في جنيف، ولا يملكون إلا البقاء تحت الحصار، إلى أن يأخذ الله أمانته، أو العودة إلى البلاد والاستسلام لواقع فرضه المحتجون ورعاه الجيش، وعندها تستعيد المؤسسة العسكرية عافيتها السياسية، ويعود الحكم الخفي للجنرالات.
ولنتذكر أن أكثر التظاهرات المريبة في منطقتنا تلك الجميلة الهادئة، حيث يذهب المحتجون إلى الساحات مثل ذهابهم للمتنزهات، ويغنون للوطن، ويمضون أوقاتاً مليئة بالمشاعر الوطنية الجياشة، ويرفعون شعارات صادقة، ويتطلعون إلى تحقيق آمالهم، وتحميهم عربات الشرطة، وترقبهم عن بُعد آليات الجيش، ولاحقاً نسمع خطوات أقدام الجنرالات داخل القصر.