هل يخيف النووي الباكستاني تل أبيب؟ لهذه الأسباب تدعم إسرائيل الهند

1

 

ميرفت عوف

برغم أن جملة من التغيرات دفعت نحو تحالف إيران مع الهند، وأهمها مجابهة ضغوط الولايات المتحدة، و القلق المشترك بين الدولتين مما يسمى بـ«التشدد الإسلامي السني» في باكستان، فإن طهران التي أدارت ظهرها لحليفها السابق باكستان، واستجابت للرغبة الهندية بالتقارب لن تسلم من ثمن تحالف إسرائيل مع الهند، الذي أصبح يوصف اليوم بالوثيق.

فأحد دوافع إسرائيل في تغذية التوتر بين الهند وباكستان هي إيران، «العدو اللدود» لإسرائيل المتشابك بحدود جغرافية مع الهند، فإسرائيل التي تسعى – بنظر البعض- لخلق وجود دائم لها في أفغانستان على بعد 120 كم من الحدود الإيرانية، طامعة أيضًا في الاستفادة من موقع الهند الجيوسياسي بحدودها مع كل من باكستان وإيران، إلا أن هذا الدافع ليس وحيدًا وراء الاصطفاف الإسرائيلي مع الهند ضد باكستان في آخر تطور عسكري -بين الجارتين المتنازعتين منذ عام 1948- اندلع قبل أيام.

«الإرهاب الإسلامي» عدو مشترك
وسط جمال الطبيعة الخلاب في مدخل مجمع مسور لما يعرف بكتلة «غوش عتصيون» الاستيطانية في الضفة الغربية، يخوض بشكل اعتيادي بعض السياح دورة «لمكافحة الارهاب» أو «مغامرة ترفيهية» كما تسميها وسائل الإعلام الموالية لليمين المتطرف في البلاد.

تقوم الدورة على مواجهة السياح – ومن ضمنهم هنود- «هجومًا إرهابيًّا» في سوق صنعت من الفواكه البلاستيكية والأكشاك الخشبية مع أحد «الإرهابيين» يضع الكوفية -في إشارة لأنه عربي مسلم- و يدربهم جنود إسرائيليون بكامل عدتهم العسكرية، ومنهم إيتان كوهين الذي خاطب مجموع السياح بأن «الهدف من التدريب ليس تعلم كيفية إطلاق النار، بل لكي تفهموا ما نفعله في إسرائيل لمكافحة الإرهاب».

وهو قول يظهر أن الدافع وراء هذه الدورة التي تنطلق منذ عام 2009 ليس المبلغ المالي المتمثل في دفع السائح 115 دولارًا، بل تسويق النموذج الفلسطيني المسلم نموذجًا إرهابيًّا يشابه ما تتعامل معه الهند في كشمير، حيث تصطف تل أبيب منذ زمن رئيس الوزراء الراحل شمعون بيريز ضد المحتجين في كشمير، وتعدهم إرهابيين مدعومين من باكستان، فبيريز أعرب أثناء زيارته للهند في أبريل (نيسان) 1993 عن استعداد بلاده لمساعدة نيودلهي في «قمع الإرهاب والأصولية الإسلامية».

ولا ينسى أن إسرائيل تغدق على الهند بالمعلومات الاستخبارية عن باكستان ونشطاء الحركات الكشميرية، ولم تخف بعض التقارير وجود مخابراتي إسرائيلي في الأراضي الهندية، من بينها مشروع إقامة حائط عازل بين الهند وباكستان في كشمير، يشمل موانع هندسية، وأجهزة إنذار، ورادارات، وكاميرات مراقبة على طول 600 كلم، كما أن إسرائيل في أعقاب هجوم كشمير الذي وقع في 14 من فبراير (شباط) 2019، وقتل فيه ما يزيد عن 40 شخصًا، اعتبرت الحدث «إرهابيًّا»، وقدمت بسرعة عرضًا ضخمًا غير محدود الإمكانات للهند.

ونجحت تل أبيب التي تتباهى بأن نيودلهي تريد التعلم من «تجربة إسرائيل الناجحة في مكافحة الإرهاب» في جعل الهند واحدة من أبرز الدول التي يتغنى العسكريون فيها بإعجابهم بإسرائيل من حيث قدرتها الواضحة على الصمود أمام عدد كبير من الخصوم، بدليل أن رئيس وزراء الهند نارندرا مودي تذكر على «الأرض الإسرائيلية» الهجوم الذي نفذه إسلاميون على مدينة مومباي وقتل فيه 170 شخصًا، وقال في نبرة حزن واضحة: «يعرف الهنود والإسرائيليون جيدًا الألم الذي تتسبب به الهجمات الإرهابية، نتذكر الوحشة المرعبة في مومباي، ونشحذ أسنانًا ونرد ولا نستسلم».

هل يخيف النووي الباكستاني تل أبيب؟ لهذه الأسباب تدعم إسرائيل الهند

بل أصبحت إسرائيل تجني حصاد هذا الزرع حتى على مستوى الشارع في الهند، الذي قابل – على سبيل المثال- رغبة ناشطين سياسيين هنود في ولاية كيرالا بالتضامن مع محاصري قطاع غزة عبر تسمية أحد الشوارع باسم غزة بالاستنكار في منتصف يونيو (حزيران) 2017، وانفجر قادة الهندوس وأقسام من الإعلام الهندي غضبًا لحد وصف البلدة بأنها «مخبأ لداعش»، فيما قال مسؤول في مكتب الاستخبارات الهندي: «هذا التصرف هو جزء من استراتيجية تهدف إلى جعل السكان المسلمين في المنطقة أكثر تطرفًا».

إسرائيل ليست موضع ترحيب في باكستان
في 26 فبراير 2019، وضع وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي كرة تطبيع بلاده مع إسرائيل في ملعب الأخيرة، حين أكد أن التطبيع مرهون بتقدم حل القضية الفلسطينية.

متظاهرون من كشمير يرفعون شعارات ضد إسرائيل

ولا يعد تصريح المسئول الباكستاني غريبًا على المسامع الإسرائيلية، فقد كان أي اقتراح بانفتاح باكستان نحو علاقات دبلوماسية مع إسرائيل يثير ردة فعل عنيفة من شخصيات سياسية باكستانية، مثل قول وزير الشؤون الدينية والأقليات إعجاز الحق آنذك: «لا يمكننا حتى التفكير في إقامة علاقات مع إسرائيل»، وهي الرؤية التي زادت تشاؤم إسرائيل مع فوز عمران خان بكرسي حكم باكستان في 26 من يوليو (تموز) 2018، فخان الذي طالما واجه نظريات مؤامرة معادية للسامية بسبب جذور زوجته الأولى اليهودية، ينتقد إسرائيل مرارًا، ويندد بسياستها تجاه قطاع غزة.

ومع تشكيك الخبراء الإسرائيليين بتغيير خان لموقف بلاده الرسمي من إسرائيل، يكثف الإسرائيليون الآن جهدهم للحفاظ على ما جنوه من تغللهم في الهند، فنيودلهي التي أولت القضية الفلسطينية اهتمامًا وثيقًا ودعمتها بشكل كبير، مقابل اتسام العلاقات الهندية الإسرائيلية بنوع من القطيعة، وصلت الآن إلى أوج التقارب مع الإسرائيليين منذ تاريخ إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين الجانبين، في عام 1992، وجاء ذلك على حساب دعمها السابق للقضية الفلسطينية.

وأصبحت الهند الآن واحدة من أبرز الدول التي أحدثت فيها إسرائيل تحولات ارتكزت على الفصل التام بين مسار الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية من ناحية، وعلاقات تلك الدول بإسرائيل من ناحية أخرى، فرئيس الوزراء الهندي خلال زيارته لتل أبيب في يوليو 2017 لم يكتف بتغيب القضية الفلسطينية، بل مر بالأراضي الفلسطينية دون أن يزور رام الله مقر السلطة الفلسطينية كمحطة معتادة للزعماء الزائرين، الذين يحاولون عادة الحفاظ على التوازن في العلاقات السياسية.

بيد أن ما ينغص على الإسرائيليين ليس فقط الموقف الباكستاني من التطبيع معها، بل موقف سكان كشمير الداعم للقضية الفلسطينية، التي يرى فيها نموذجًا مشابهًا لحالته كإقليم تحت احتلال، وفيما هم يخطون على الجدران شعارات مثل: «عاشت فلسطين» و«الحرية لغزة» و«الحرية لكشمير»، تعمل إسرائيل على صناعة المفاهيم التي تحصرهم في زاوية الإرهاب، مشرعنة الانتهاكات الهندية بحقهم تحت هذه الذريعة، تمامًا كما تعامل الفلسطينيين.

النووي الباكستاني يخيف تل أبيب
«وزير الدفاع الاسرائيلي يهدد بالرد النووي، على افتراض قيام باكستان بدور في سوريا ضد «داعش» (تنظيم الدولة الإسلامية)، إسرائيل تنسى أن باكستان دولة نووية أيضًا»، تغريدة نشرها وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2016.

وبرغم أن التصريح السابق جاء ردًّا على خبر كاذب يدعي تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي بتدمير باكستان نوويًّا إذا أرسلت قوات عسكرية إلى سوريا، فإن الحقائق تؤكد أن إسرائيل تنظر بعين غاضبة دومًا إلى باكستان كونها قوة نووية لا تربطها بها علاقات رسمية أو اتصالات، وتذكر مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية أن «تطور قدرات باكستان في مجال الصواريخ النووية، وتزايد التعاون العسكري بينها وبين إسرائيل، يزيد تركيز كل منهما على قدرات الآخر العسكرية، في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية بينهما»، وتضيف المجلة: «وجود مستوى كبير من الشكوك وغياب الثقة بين إسرائيل وباكستان، العلاقة الأمنية المتزايدة بين إسرائيل والهند، تعمل على تعزيز نظريات المؤامرة حول وجود تحالف هندي- إسرائيلي ضد باكستان».

وبرغم عدم تهديد باكستان لإسرائيل، فإن تل أبيب لا ترى في قدرات باكستان الصاروخية ذات الرؤوس النووية إلا شبح نظام إسلامي نووي، ويتزايد هذا التخوف عندما يرى الإسرائيليون نجاح اختبارات باكستان لأحد أسلحتها النووية، كصاروخ (شاهين- 3) متوسط ​​المدى الذي يبلغ مداه ما يقرب من 2750 كم، والذي تقصد فيها باكستان ترهيب عدوها الهندي، فتراه إسرائيل مصوبًا نحوها؛ لكونه قادرًا على ضرب أراضيها، كما أن سيناريو وصول جنرالات باكستانيين «متعاطفين مع الإسلاميين» ووقوع الترسانة النووية الباكستانية في أيديهم لا يغادر المخيلة الإسرائيلية.

ومع ما سبق يظهر أن أحد دوافع تطوير إسرائيل علاقاتها مع الهند يهدف إلى تنشيط جبهة توقف أي احتمال لتطوير القدرات النووية الباكستانية كعنصر تهديد لإسرائيل، حتى وصل الأمر لطلب الإسرائيليين من الهند استخدام إحدى قواعدها القريبة من الحدود مع باكستان، من أجل توجيه ضربة ضد المجمع النووي الباكستاني في عام 1998.

الهند أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي
ما إن انقشع غبار المعركة التي وقعت قبل أيام بين الهند وباكستان، وبدأت المعلومات تتوالى عن التفاصيل، حتى تأكد أن الطائرات الهندية التي شنت الغارات داخل باكستان هي خمس طائرات عملاقة من طراز «ميراج»، مزودة بصواريخ ذكية من طراز «Spice 2000» الإسرائيلية، كل صاروخ فيها كان يزن ألف كيلوجرام.

وقد بات من المعلوم أن نيودلهي – وهي أكبر مستورد للسلاح في العالم بدافع توتراتها مع باكستان والصين- كانت أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي، بنسبة 49% من مجمل صادراتها العسكرية، وبلغت قيمتها 15 مليار دولار بين 2000- 2006، ولأن إسرائيل ذات توجه تجاري يسعى لتسويق أكبر للأسلحة، فقد نجحت في جعل نصيب الأسد في مبيعاتها العسكرية إلى آسيا من حصة الهند، التي تستورد الصناعات الجوية، من صواريخ لمقاتلات وطائرات بدون طيار، إذ وصل حجم تلك الأسلحة في العام 2016 إلى 6.5 مليارات دولار.

بينما سجل عام 2017 الهند بوصفها أكبر مستورد للسلاح الإسرائيلي، إذ اشترت أنظمة رادار ودفاعات جوية وذخيرة بما فيها صواريخ جو- أرض بقيمة 530 مليون دولار، وكانت أبرز صفقات هذا العام هو توفير شركة صناعات الطيران الإسرائيلية أنظمة الدفاع الجوي للجيش الهندي، الذي وصفت كواحدة من أكبر صفقات الأسلحة في تاريخ الصناعات الأمنية الإسرائيلية.

يقول الأستاذ المساعد في معهد العلوم السياسية في جامعة ليدن، نيكولاس بلاريل: «لقد كانت العلاقة الدفاعية هي المحرك الرئيسي للتقارب بين الهند وإسرائيل؛ فإسرائيل واحدة من الموردين الرئيسيين للهند خلال حرب كارجيل مع باكستان، وأظهرت سمعتها كمورد قوي ومستقر، حتى في أوقات الإكراه، منذ ذلك الحين، كان هناك الكثير من الصفقات المهمة».

التعليقات معطلة.