حسين معلوم
أن يُعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أخيراً، أن إسرائيل وروسيا تعتزمان تشكيل «فريق مشترك» لانسحاب القوات الأجنبية من سورية، فهذا يدفع إلى التساؤل حول الجديد الذي تم الاتفاق عليه بينهما، خلال زيارة نتنياهو إلى موسكو (أواخر الشهر الماضي) أيضاً، أن يُضيف هذا الأخير «وضحت بشكل لا يقبل التأويل أن إسرائيل لن تسمح بأي تموضع عسكري لإيران في سورية»، فهذا، وإن كان يؤشر إلى الجديد الذي تم الاتفاق عليه بين بوتين ونتانياهو؛ إلا أنه، في الوقت نفسه، يُثير الاستفهام حول «قواعد اللعبة» بين إسرائيل وإيران في سورية… هل تغيرت؟ ثم، أن تتوافق تصريحات نتانياهو، من حيث التوقيت، مع حسم واشنطن الجدال الدائر، دولياً وإقليمياً، في ما يتعلق بمصير قواتها في المنطقة «الشمال شرقية»، وقرارها بسحب أغلبية هذه القوات مع الإبقاء على 400 عسكري منها فقط، كـ «وجود رمزي»، فهذا، يدفع إلى التساؤل حول مدى التوافق الأميركي الإسرائيلي، بخصوص إخراج الميليشيات العسكرية الإيرانية من بلاد الشام. أيضاً، إذا أضفنا إلى ذلك التفاهم الروسي الإسرائيلي الأخير، فهذا، يُثير الاستفهام حول مدى التناقض في المصالح «الروسية – الإيرانية»، على الساحة السورية، تحت سقف «التحاف الاستراتيجي» بينهما؟
وأخيراً، أن تتصاعد نبرة الانتقاد الروسي، بعد زيارة نتانياهو إلى موسكو، بخصوص عدم التزام تركيا ببنود «مذكرة التفاهم»، التي تم الاتفاق عليها، بشأن استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد، في إدلب السورية، فهذا، يطرح التساؤل حول التغير الحاصل في الموقف الروسي تجاه أنقرة، على الأقل من منظور أنه منذ الاتفاق على مذكرة التفاهم هذه، لم تلتزم تركيا بها، بل تم اختراقها من الجانب التركي بعد الإعلان عنها بأيام. أيضاً، إذا لاحظنا التقارب الحاصل بين أنقرة وطهران، ومحاولات إنشاء تقارب ثلاثي بينهما مع العراق، تزامناً مع زيارة الرئيس التركي إلى بغداد الشهر المُقبل، فهذا يُثير الاستفهام حول مدى التناقض في المصالح بين «ثلاثي سوتشي»؟
هذه التساؤلات، وغيرها، تُشير إلى التعقيد الذي ينتاب الأزمة السورية، وتفردها من بين أزمات المنطقة الأخرى، بإنتاج المزيد من التعقيد، والتشابك، الذي يطال أطراف هذه الأزمة، من دون استثناء، وإن بدرجات مختلفة. إلا أن الأهم، هنا، هو الدخول الإسرائيلي كـ «لاعب» إقليمي، ضمن أطراف الأزمة؛ وبالتالي، لنا أن نتصور مدى التأثير الحاصل جراء هذا المتغير الجديد؛ ليس، فقط، على مسارات الأزمة، ولكن، وهذا هو الأهم، على الوضع الجغراسي لمنطقة الهلال الخصيب.
وإذا اقتربنا أكثر من النقاط التي تُشكل في ما بينها بانوراما الصورة، لنا أن نُلامس ثلاثاً منها، على هيئة رؤوس أقلام لتوضيح ملامح هذه الصورة.
من جانب، هناك الاختلافات بين ثلاثي أستانة، التي تبدت بوضوح خلال القمة الأخيرة التي عُقدت في سوتشي. فهناك المعارضة الروسية الإيرانية للمقترح التركي، بخصوص إقامة منطقة «آمنة» عميقة، تكون لأنقرة اليد الطولى فيها، حيث ترى موسكو أن مساحة بعمق «15 – 20» كيلومتراً كافية؛ كما أن هناك، أيضاً، المعارضة التركية للاقتراح الروسي الإيراني، بتفعيل اتفاقية «أضنة»، بكل ما تعنيه من مصالحة أردوغان مع النظام السوري.
وبالتالي، لنا أن نتصور كيف يمكن أن تؤثر هذه الاختلافات، كنتيجة لتناقض المصالح بين تلك الأطراف، على مستقبل ما تم اعتباره «تحالفاً استراتيجياً» بينها، إذ يحول تقدم المصالح الروسية دون استفادة طهران من الاتفاقات الاقتصادية مع الحكومة السورية؛ ناهيك عن أن تلك المصالح نفسها، تتعارض مع وجود «الحرس الثوري» الإيراني، ومحاولة طهران الإفادة من ذلك، تبعاً لاتفاقية التعاون العسكري التي عقدتها مع دمشق الصيف الماضي. في الوقت نفسه، يُعبر تصاعد نبرة الانتقاد الروسي لأنقرة بعدم الوفاء بالتزاماتها، عن مدى التناقض في المصالح بين الطرفين؛ على الأقل من منظور عدم موافقة أنقرة على إخلاء الساحة، تاركة وراءها كل الاستثمارات التي حاولت توظيفها ببلايين الدولارات. من جانب آخر، هناك التقارب التركي الإيراني، ومحاولات إنشاء «تقارب ثلاثي»، على المستوى الاستراتيجي، مع العراق، عبر زيارة الرئيس التركي المُقررة إلى بغداد الشهر المُقبل؛ وهو التقارب الذي يستهدف دعماً تركياً لتوغل إيراني أكبر في العراق، في مقابل دعم إيراني لتركيا في سورية، بما يعني محاولة تقاسم النفوذ بينهما في سورية والعراق. إلا أن مثل هذا التقارب، وإن كان يتعارض مع النظرة الجغراسية الروسية لبلاد الشام والعراق؛ فهو، في الوقت نفسه، يصطدم بالهدف الاستراتيجي الأميركي، الذي يُعبّر عنه الإبقاء على وجود عسكري رمزي لها في سورية. إنه الهدف الذي يتمحور حول «منع أي تواصل بين العراق وسورية».
وبالتالي، لنا أن نتصور أن القوات الأميركية المُنسحبة من سورية، سوف تُعزز وجودها في العراق، وسوف تترك «داعش» يتحرك بحرية على جانبي الحدود بين البلدين؛ وذلك لمنع التواصل بينهما، من حيث سعي كل منهما لـ «التحالف» مع إيران، ومن بعدها روسيا، كما هو حاصل الآن، خاصة مع دعم بكين لهذه التوجهات، التي لا تزال في طور البناء؛ وهو ما يعني أن الوجود الرمزي للقوات الأميركية، هو محاولة لإبقاء «إقليم شمال سورية» خارج سيطرة روسيا وحلفائها؛ فضلاً عن كونه رسالة وضحة بأن واشنطن لم، ولن، تترك الساحة السورية، وأنه لا بد من التفاهم معها قبل فرض أي ترتيبات تتعلق بمستقبل سورية.
من جانب أخير، هناك «التوافق» الإسرائيلي الأميركي، على ضرورة إخراج الميليشيات المسلحة الإيرانية من الساحة السورية؛ كما أن هناك، أيضاً، «التفاهم» الإسرائيلي الروسي، كما عبّرت عنه تصريحات نتنياهو بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو، حول تشكيل «فريق مشترك» لانسحاب القوات الأجنبية من سورية؛ وهو ما يؤشر ليس، فقط، إلى دخول إسرائيل على خط الأزمة السورية، كـ «لاعب» إقليمي، بل، وهذا هو الجدير بالتأمل والاهتمام، يُلمح إلى التغير المتوقع في «قواعد اللعبة» بين إسرائيل وإيران في سورية؛ خاصة في حال عدم قدرة إيران على الدخول في مواجهة مفتوحة معها، كما يبدو راهناً.
وبالتالي، لنا أن نتصور أن الأولوية الإسرائيلية، وإن كانت تتحدد في الوقوف دون تثبيت قواعد إيرانية في سورية، منتشرة بين الجنوب والوسط والغرب؛ فإن التوافق مع الأميركان والتفاهم مع الروس، حول هذه الأولوية، يؤكد أن إقامة قواعد عسكرية إيرانية على الحدود مع إسرائيل، يُخالِف النظرة الجغراسية لكل من واشنطن وموسكو. ولعل هذا يتأكد إذا لاحظنا ضبابية الموقف الروسي من الضربات الجوية التي شنتها، وتشنها، إسرائيل على تلك القواعد؛ ولاحظنا، أيضاً، كيف وسّع الإسرائيليون دائرة «الملاحقة الجوية» التي رُسمت لهم، من أربعين إلى أربعة وثمانين كيلومتراً ما وراء الجولان، ثم تجاوزوها في استهداف مراكز التجمعات الإيرانية وميليشياتها، دون أن تستطيع الأخيرة الرد عليهم.
في هذا السياق، سياق الصورة التي تبدو عليها بانوراما الأزمة السورية، وإلى حين إشعار آخر، يكون من المتوقع استمرار تفعيل سيناريو «التوتر المحكوم» في سورية، إلى أن ترتضي الأطراف الدولية، المُتنافسة في الأصل على قيادة النظام الدولي، بتسوية مُعينة للأزمة السورية تكون محل توافق بين هذه الأطراف.
* كاتب مصري.