أحمد الصياد
لا تفيد كثيراً تاريخية العلاقات العربية – الأوروبية، ما لم يفرض الحاضر نفسه، بأدواته وقيمه، كحضور المستقبل، بآفاقه وشروطه؛ ومن ثم نبلور سياسات تعبر عن مصالح مشتركة بين الجانبين. على خلفية ذلك ينبغي تناول القمة العربية ـ الأوروبية، 24/25 شباط (فبراير) الماضي في شرم الشيخ، بمنظور موضوعي، لا تغلب عليه الأهواء.
ولطالما كانت العلاقات الدولية غير قابلة للارتكاز على فنون «المكايدة». ومن ثم فإن بديلاً عن واشنطن لن نجده في العواصم الأوروبية مجتمعة! فما زالت الأمنيات لم تطأ أرض الواقع بتحول النظام العالمي من «الأحادية» القطبية إلى «التعددية»، بحثاً عن مزيد من «دمقرطة» السياسة الدولية.
وواقع الحال يُلزمنا بالاعتراف بتقزم الاتحاد الأوروبي سياسياً، وهو عملاق اقتصادي! فلم تنجح مؤسسية الاتحاد الأوروبي في تشكيل إرادة سياسية واحدة يمكن البناء عليها عالياً بما يوازي معاناة القضايا العربية جراء الزعامة الأميركية المنفردة للنظام العالمي.
ونظرة موضوعية تُرجح صمود التحالف الأميركي ـ الأوروبي؛ فمأزق الاتحاد الأوروبي/ ترامب موقت. ونجاح البريكست يصب في رصيد واشنطن. والخلاف حول الملف الإيراني ضعيف. والصواريخ النووية الروسية موجهة تجاه أهم العواصم الأوروبية. واعتماد اقتصاد روسيا كبير على تصدير النفط والغاز لأوروبا. وتشكيل جيش أوروبي كبديل للناتو ليس بالأمر الهين أبداً. والولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لأوروبا. فضلاً عن المشتركات الثقافية الهائلة بين الجانبين.
وعليه، فإن الاتحاد الأوروبي لا يقوى على النهوض بدور سياسي في الملفات العربية على غير رغبة واشنطن، التي احتضنت أوروبا المنهارة، بمشروع مارشال، في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ ومن ثم تربي الاتحاد الأوروبي في الحضن الأميركي منذ كان وليداً على هيئة تجمعات اقتصادية صغيرة؛ فنشأ قانعاً بدوره الاقتصادي والاجتماعي في أهم الملفات العربية، الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تاركاً الشق السياسي كاملاً للإرادة الأميركية، بخاصة وقد انفردت بزعامة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن الماضي.
لا يقلل ذلك من أهمية القمة العربية ـ الأوروبية، الأولى، لكن حصرها في حدود منطقها السياسي يُفيد في تقييم دقيق لمدى تحقق أهدافها؛ فأجندة الجانب الأوروبي تنحسر عن ملفات عربية بعينها؛ إذ لا ناقة ولا جمل لأوروبا فيها. فقد أعلن الجانب الأوروبي، قبل القمة، في بيان رسمي، التركيز على عدد من القضايا والتحديات المشتركة أهمها «التعددية، التجارة والاستثمار، الهجرة، الأمن، بالإضافة إلى الوضع في المنطقة». لاحظ ميوعة تعبير «الوضع في المنطقة»! وواقع الحال أن ملف الهجرة غير الشرعية كان جوهر الاحتياجات الأوروبية من القمة، مثلما تشكل الملفات المسجلة في المنطقة هاجساً عربياً تتمنى لو أن واشنطن لم تنفرد به.
وعليه لم تكن القضية الفلسطينية، على مركزيتها في الأمن القومي العربي، في دائرة اهتمام القمة، انتظاراً لصفقة القرن الأميركية، وسيظل الدور الأوروبي محصوراً في تمويل إعادة الإعمار في سورية واليمن، بل ان الخلاف في الملف الليبي بين باريس (مع حفتر)، وروما (مع السراج) لا يعني أن الملف بعيد عن يد واشنطن!
يؤكد ذلك أن القمة لم تخرج بقرارات محددة، والتوصية بانعقادها كل 3 أعوام، القادمة في بروكسل 2022، تشير بوضوح إلى أنها لم تنتج أثراً يمكن التعويل عليه بجدية.
* كاتب مصري.