إسلام المنسي
دائماً وفي كل أزمة أو حادثة تقع على الأراضي الإيراني، يسارع نظام الملالي للإعلان عن عثوره على أدلة وإثباتات وبراهين تؤكد ضلوع الرياض وأبو ظبي وواشنطن وتل أبيب وإسلام أباد وجمهورية الواق الواق.. إلخ إلخ، ضمن قائمة وهمية من الدول تطول أحياناً وتقصر أحياناً حسب الحاجة، للإيحاء بوجود مؤامرة كونية مستمرة تستهدف نظام ولاية الفقيه.
وبرغم الأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب الإيراني تحت حكم من يطلقون على أنفسهم «آيات الله» واتجاه الأوضاع باستمرار للانحدار، وظهور مشكلات وأزمات جديدة نتيجة عدم حل المشاكل القديمة، فإن الخطاب الإعلامي الإيراني يروج لفكرة أن نظام الملالي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن أي مشكلة تحدث في البلاد إنما هي بفعل أصابع خارجية حاقدة على الإنجازات الرهيبة التي حققها النظام!
وقد تجلى هذا الخطاب الممجوج في كلمة خامنئي التي أذيعت لمناسبة الذكرى الأربعين لوصول الملالي للحكم، حين زعم أن الثورة استطاعت أن تنهي مرحلة من الانحطاط والتبعية للآخر، وأن البلاد الآن تسير في مسار التقدم والرقي، معدداً أهم إنجازات الثورة المزعومة، ومع أنه تكلم كثيراً لكنه في النهاية لم يقل شيئاً، وكل ما ذكره هي عناوين عامة فضفاضة، تخالف الواقع، من عينة «ترجيح كفة العدالة في توزيع الثروة» و«نشر الأخلاق والقيم».. إلخ.
وبغض النظر عن عدم مصداقية تلك البنود الوهمية، إلا أن مجرد تبني مثل تلك النغمة والعزف عليها باستمرار يعكس إصراراً وتصميماً على التعامي عن الأخطاء وهو نهج لا تتبعه إلا الدول الفاشلة حصراً، بينما تتبع كبريات الدول خططاً مستمرة للمراجعة واكتشاف الأخطاء ومعالجتها، لتتدارك أي خلل يحدث في أسرع وقت.
والمثير للدهشة هو أننا لا نتحدث عن توقعات أو تحذيرات بل عن مشكلات انفجرت بالفعل، وتسببت في إفقار عشرات الملايين من المواطنين، وانتشار ظواهر مدن الصفيح كثيفة السكان، وبيع المواطنين لأعضائهم، وتجارة البغاء، فضلاً عن انحطاط قيمة العملة، وانهيار الاقتصاد، فعن أي إنجازات نتحدث؟! وأي نموذج يُراد تصديره للعالم؟! وأي مثل عُليا يُتفاخر بها أمام العالم؟!
وبالمناسبة فإن جميع تلك المشكلات لم تأت من تأثير العقوبات الأميركية الأخيرة بل من قبلها بكثير، فالعقوبات لم تُفرض إلا في آب (أغسطس) الماضي، بينما المدن الإيرانية الكبرى تشتعل بالاحتجاجات والغضب منذ العام قبل الماضي، نتيجة للأوضاع المعيشية شديدة التدهور.
ومع ذلك يواصل النظام اتباع سياسة خارجية متهورة هدفها تصدير مشكلات الداخل نحو الخارج، ومحاولة إقناع الداخل أن كل ما يعانونه لا دخل لساستهم به، وكأن كل ما يحدث في إيران والمنطقة لا يستحق التوقف عنده.
فبعد التفجير الأخير الذي استهدف عناصر الحرس الثوري في إقليم بلوشستان جنوب شرق إيران، مارس قادة الحرس هوايتهم المعهودة في توزيع الاتهامات على دول الجوار بالمسؤولية عن الحادث، بل وصل الأمر لحد توجيه وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، اتهامات مبطنة لبولندا بوجود علاقة بينها وبين الحادث، وهو ما استدعى رداً من الخارجية البولندية على اتهامات ظريف رافضةً الربط بينها وبين تلك الواقعة.
والسيناريو نفسه يتكرر مع كل حادث وتفجير في الأقاليم التي يعاني سكانها من القمع الممنهج بكل أشكاله، في دولة تشكل الأقليات العرقية فيها أغلبية السكان، بل وحتى داخل الأكثرية الفارسية تفشت صور التمييز الطبقي، بدرجة مبالغ فيها دفعت المواطنين إلى الانفجار، فيما لم يجد النظام وسيلة لمعالجة الموقف سوى اللجوء لمزيد من القمع الأمني في ظل غياب أي رؤية متماسكة للحل.
ما دفع الشعب الإيراني للإحباط من حكم الملالي بالصورة الموجودة اليوم، هو أن النظام عندما كان في أقوى حالاته عقب توقيع الاتفاق النووي في 2015، والإفراج عن بليونات الدولارات المجمدة في بنوك الغرب، لم يوجه عينيه إلى التنمية، ولم ينعكس كل ذلك على الداخل بالشكل الذي طالما وعدهم به الملالي، بل ذهبت البليونات إلى دعم الميليشيات التخريبية في الخارج، وبقي أبناء الشعب يتضورون لا يجدون ما يسد رمقهم، ففي الوقت الذي تمتلك الأذرع الطائفية التابعة لطهران أسلحة ببليونات الدولارات، يواجه مئات الآلاف في إيران خطر الموت جوعاً، في بلد حباه الله ما لا يُحصى من الثروات والموارد من كل شكل ولون.
* كاتب مصري.