فارس بن حزام
في رحلة إيران المعاصرة مع الولايات المتحدة، ارتاح الملالي للديموقراطيين وخشوا الجمهوريين، وبلغ ارتياحهم التنمر وخشيتهم التوتر.
على مدى 40 عاماً عاصرت ثورة إيران سبعة رؤساء أميركيين، ثلاثة ديموقراطيين وأربعة جمهوريين. وفي نصفها الأول كان الإرهاب هاجس أميركا، وفي نصفها الثاني لحقه الملف النووي، وحافظت طهران على منهجها السياسي وإرادتها القومية، وتباينت مواقف واشنطن وحماسها، وشدتها ورخوها مع تبدل الإدارات.
بدأت الرحلة بين البلدين عاصفة، فبعد 9 أشهر من الثورة احتل أتباع النظام سفارة واشنطن، واحتجزوا الرهائن 14 شهراً، وفشل الرئيس كارتر في تحريرهم بعملية عسكرية هزيلة ومخزية، ليهزم في الانتخابات ويأتي ريغان رئيساً. وإذعاناً في إهانة الرئيس الخاسر، أطلق الخميني الرهائن بعد نصف دقيقة من تسليمه الرئاسة لخلفه، وتلك بداية لرحلة العقوبات الاقتصادية على البلاد أيضاً.
حضر الرئيس ريغان بعقوبات كارتر، وانشغل بحربه الباردة وبمعاركه في أميركا الجنوبية، وراقب انشغال طهران بحرب بغداد، وواجهته بقسوة في بيروت، واستجاب لها بانسحابه، وباعها أسلحة مقابل إطلاق رهائنه في لبنان.
لم يتطور ملف إيران كثيراً في عهد الرئيس بوش الأب، فقد كان نائب ريغان، وأشغله صدام حسين بتحرير الكويت، وربما لو نال ولاية ثانية، لحظي إرهابها باهتمام أكثر يتجاوز تجديد العقوبات الدورية.
جاء الرئيس كلينتون، ولم تكن هناك آمال بنقل الملف الإيراني إلى مستوى أعلى. مضت ولايته الأولى بصدور قانون عقوبات محدودة ضد طهران، وفي الولاية الثانية استحوذت عملية السلام ومغامرة الجذابة مونيكا لوينسكي على ذهنه ووقته. وعلى رغم ذلك، حصل تطور في إيران، فقد بدأت في صيف 1997 مرحلة «النظام ذو الوجهين»، وصار محمد خاتمي رئيساً، وغرق كلينتون بشعاراته. في يناير 1998 ذهبت المذيعة الشهيرة من شبكة (CNN) كريستيان أمانبور لتحاور الرئيس الجديد، وسلمتها وزارة الخارجية أسئلة عن عمليات الرهائن والإرهاب والسلام في المنطقة، فأسمعهم النظام ما يدغدغ عواطفهم عن جدية التحول في البلاد.
ومع وصول الرئيس الأميركي الخامس، دخل الملف النووي مرحلة المكاشفة. بدأت ملامسة خطرة في عهد الرئيس بوش الابن، وعلى رغم اعتداءات سبتمبر وغزو أفغانستان والعراق، نال ملفا إيران النووي والإرهاب مساحة أكبر من سلفه، ودخل الأوروبيون على الخط، فتولى الاتحاد الأوروبي المفاوضات النووية، وراقبت إدارة بوش المفاوضات عن كثب، وقبل أن تنتهي ولايته الأولى انهارت صيغة الاتفاق بين ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيران، وبداية الولاية الثانية بجهد حثيث لمعاقبة طهران بقسوة، ونقل ملفها إلى مجلس الأمن. لكن التردد أصاب قدمي الرئيس، فلم يخطُ قدماً، وحجته أن بلاده غير قادرة بمفردها على العقاب.
بعض الجهد المقبول من بوش الابن فتته خلفه باراك أوباما، فما إن بدأ عهده بأشهر قليلة حتى انتفضت إيران مطلقة «ثورة خضراء»، ولم يتفاعل معها بقدر تفاعله مع ثورة مصر لاحقاً، وشاهد الرئيس الجديد النظام الدموي يجهز على الشعب الإيراني، من دون تدخل أو دعم وتشجيع المترددين. وفي ولايته الثانية، وافق على الاتفاق النووي المخزي، وبعده بلع إهانة المرشد علي خامنئي عندما احتجز بحارته، وسخر منهم على الملأ.
وتالياً، جاء الرئيس ترامب، فألغى الاتفاق النووي، وطبّق عقوبات قاسية تردد بوش الابن حيالها، وأجبر أوروبا على الالتزام بها.
واجه طموح إيران النووي رؤساء أميركيون مترددون، وبدت طهران سعيدة بالديموقراطيين، تسايرهم بواجهات جميلة تنشد السلام، مثل خاتمي وروحاني، ووحده الرئيس ترامب قرر إعادة مرشدهم إلى رشده.