الشخصية الأخطر خلف ترامب

1

 
فارس بن حزام
 
 
لمعرفة أفكار كل زعيم عليك أن تقرأ ما كتبه أو تتأمل ما تفوه به. وفي حالة الرئيس ترامب، فعليك قراءة مذكرات مستشاره الخطر جون بولتون؛ لأن سيرة الأول بلا سياسة، والثاني مغموسة في عمق تفاصيل الصراعات المستمرة إلى اليوم.
 
 
قراءة مذكرات بولتون ضرورة معرفية لاستيعاب مرحلة ترامب. الكتاب الصادر عام 2007 يقدم وقائع تحصل اليوم، وتتمثل بخطوات وقرارات البيت الأبيض تجاه ملفات عدة، منها الفلسطيني، والنووي الإيراني، ومعاهدات الصواريخ الروسية، وكوريا الشمالية.
 
قدم مستشار الأمن القومي جون بولتون في كتابه القديم أفكاراً كثيرةً، واستعرض خطوات يقول إنه أسهم بها خلال إدارتي الرئيسين بوش، الأب والابن، وكثير من أفكاره لم تر النور، ويبرر ذلك بتردد الأب وابنه حيناً، ومواجهة العراقيل من كبار المسؤولين أحياناً كثيرة. أما اليوم، فهو رقم صعب في البيت الأبيض ويعيش زمنه الذهبي، ولا يوجد مسؤول واحد يفصله عن الرئيس ترامب. ولذا نجد خلف سياسة الإدارة الحالية عقل جامح اسمه جون بولتون، والكثير من القرارات الحادة والشرسة وردت بتفاصيل دقيقة في مذكراته.
 
وحين تعاقب واشنطن السلطة الفلسطينية بإغلاق مكتبها، وتوقف دعم منظمة الأونروا، فقد سبقتها قرارات مماثلة، ينسبها بولتون إلى فضله خلال عهد بوش الأب، عندما قطعت الإسهامات الأميركية عن منظمة الصحة العالمية، احتجاجاً على الاعتراف بالسلطة الفلسطينية. وحين تلغي واشنطن معاهدة عسكرية هامة مع موسكو مثل «معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى»، فقد سبقها جهد حثيث نجح فيه بولتون في إلغاء «معاهدة الحد من الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية» مع روسيا عام 2002. وفي ملف كوريا الشمالية، لم ينجح كلياً حتى الآن في تحقيق رؤيته كاملة، إذ لا يرى حلاً إلا بإسقاط الحكم، وتوحيد شبه الجزيرة الكورية، وإعدام الرئيس في الشارع، «كما أعدم الإيطاليون موسوليني، والرومانيون تشاوتشيسكو»، وحجته – الصائبة مع مرور السنوات – أن الكوريين الشماليين لن يلتزموا بقرار مجلس الأمن 1718، الصادر عام 2006، ولأن الخطوة بعيدة المنال؛ دفع رئيسه ليهدد بالعمل العسكري المباشر، فأتت كوريا الشمالية للمفاوضات الثنائية. أما في ملفه الأكبر، ومن حسن الحظ أن يكون الملف الأول للخليج، فهو النووي الإيراني. وما العقوبات التاريخية المطبقة بحق طهران حالياً، إلا من نواة أفكاره ورؤيته المدونة في الكتاب، ولم ينجح في إقناع بوش الابن بها لسببين؛ تردد الرئيس تجاه قدرة واشنطن على تطبيقها منفردة عن بقية العالم، وتحذيرات مسؤولين كبار في الإدارة، ويبقى أن هدفه إسقاط النظام برمته.
 
جون بولتون، ابن الإطفائي، هو أخطر شعلة فتيل في البيت الأبيض اليوم. يهدف إلى تركيع إيران، وترويض كوريا الشمالية، وإبعاد روسيا عن أوروبا، وإعادة صياغة مفهوم علاقة واشنطن بالعالم كله. ولقد عثر الرئيس ترامب عمن يعبر عن أفكاره.
 
وعلى رغم ذلك، فأول شعور يصيبك عند نهاية قراءة هذه المذكرات هو الخوف؛ لأن المستشار بولتون لا يرى غير القوة للحصول على أقل المكاسب في أصغر الملفات. واللافت أن مذكرات الأجانب عادة ما تحمل نقداً ذاتياً، بعكس سير العرب، لكن بولتون بدا عربياً في كل صفحات الكتاب. فقد أوحى لي بالتسلط والعجرفة، وأنه مغرور وموتور، ومفرط بالثناء على نفسه عن كل يوم عاشه في دوائر القرار. ووفق ما خطه بيده وهو دون الستين، بدت شخصيته كما بعد السبعين. وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه، فقد أثبت أنه صاحب مبدأ صلب لا يتغير. «قادر على القيادة خلف الكواليس مثل مخرج مسرحية، ويدبّر الأمور لصالح مبادئه بكل ذكاء وتخطيط»، كما وصفته لي إسراء عسيري، الباحثة السابقة في معهد جون ماكين. وهذا النوع من السياسيين يحتاج قائداً مثل ترامب، والرئيس يحتاجه أكثر حالياً، على رغم أن صراعاته الإدارية جزء من سيرته المهنية، وابتعاده عن مرونة الدبلوماسية بمسافة هائلة. ولذا ومع تقاطع الملفات بينه وبين مسؤولين آخرين مثل وزير الخارجية، يمكن القول أن أحدهما سيرحل؛ إما الوزير أو المستشار.

التعليقات معطلة.