اشتراطات بناء الدولة والمجتمع

1

 
 
احمد صبري
 
ما جرى في العراق بعد غزوه واحتلاله ما زالت تداعياته تضرب المجتمع العراقي وجواره، وهي تداعيات ربما لم تكن محسوبة من دول الاحتلال التي بشرت بعصر جديد عنوانه الرخاء والحرية والديمقراطية، غير أن المتحقق بعد مرور 16 عاما على المغامرة الأميركية كان عنوانه الفوضى وعدم الاستقرار وغياب الأمن والتوازن، وتغول الفساد صاحبه صراع نفوذ بين القوى النافذة، وهو الأمر الذي وضع العراق في هذا الخانق الذي يتخبط به طيلة السنوات الماضية.
وعندما نسلط الضوء على ما آلت إليه أوضاع العراق بعد احتلاله فإننا لا نغفل فشل الطبقة السياسية في إدارة شؤونه بعد أن غابت اشتراطات التغيير والتوازن المطلوبين في بلد يئن تحت وطأة غياب موجباتها.
من هنا يعتقد مؤلف كتاب التغيير والتوازن في بناء الدولة والمجتمع (الباحث السياسي كمال القيسي) أن جهده عبارة عن شمعة يراد منها رؤية الغاطس في المفهومين أسماها القوة الغاشمة والفساد والإرهاب في محاولة لتلمس بداية طريق وعر مليء بالمفاجآت.
والمؤلف باحث في علم الاقتصاد عمل في وزارة النفط العراقية ومنظمة أوبك، ودرس في جامعتي مانشستر وبرمنجهام البريطانيتين، وله مؤلفات في السياسية والفكر الاستراتيجي.
ويرى المؤلف أن صراع النفوذ والهيمنة الذي شهدته المنطقة والإقليم هو ناتج طبيعي لهذا الصراع الذي ما زالت تداعياته متواصلة على الخريطة السياسية، غير أنه يشير إلى أن هذه التداعيات كانت متوقعة بسبب تقاطع المصالح والنفوذ أدت إلى الفوضى وتدمير البيئة والإنسان معا.
ويصف مؤلف الكتاب أن ما أحدثته تداعيات غزو العراق واحتلاله على الإنسان والمجتمع والبيئة عموما هو لا يقارن بمحصلته الكلية بقنبلتي هيروشيما وناجازاكي النوويتين على اليابان.
ويربط القيسي بما حدث من نزاعات وصراعات دينية وأيديولوجية في الشرق الأوسط بما حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر، موضحا أن الرؤية الأميركية لهذه الأحداث هي لمنع وقوع منطقة الخليج العربي تحت سيطرة دولة تتقاطع مع مصالحها ونفوذها معها.
ويفرد المؤلف حيزا لمفهوم النظام الدولي، ويصفه بأنه مفهوم سائب في ظل انعدام التوازن في القوى والمصالح، وتفكك الدول والمجتمعات لإخفاقه في حماية البيئة العالمية، ووقف انتشار أسلحة الدمار الشامل، فضلا عن عدم التزام الولايات المتحدة بتحقيق معيارين اعتمدهما النظام الدولي وهما التوازن بين القوى العظمى في القوى وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وفي تشابك مصالح النفوذ والهيمنة والتسلط بين القوى الكبرى التي باتت ظاهرة خطيرة، كان العراق وما زال أحد ضحاياها، كما يوضح المؤلف أن خروج العراق من هذا الخانق يتطلب إيجاد مخارج تتضمن آليات وطنية وإقليمية ودولية تعيد تشكيل نظامه السياسي. غير أنه يستدرك وقارا بصعوبة الاستشراف والتنبؤ بما ستؤول إليه الوقائع بالمدى المنظور بسبب ما وصفه شدة الظلام الذي يلف المنطقة وحال التخبط الذي تعيشه.
ويشترط الباحث كمال القيسي لتحقيق التوازن المطلوب بوجود دولة بمنظومة حوكمة رصينة تتيح لقيادتها التنفيذية رؤية الاستشراف، وضبط إيقاعات مساراته، مع المرونة في التكيف مع الظروف والمستجدات.
ويخلص المؤلف إلى القول إن التغيير والتوازن هما ركيزتان أساسيتان من استدامة عمل الدولة وحياة المجتمع، ومن دونهما لا يمكن تحقيق اشتراطات البناء والتنمية والاستقرار.

التعليقات معطلة.