العنصرية والإمبريالية تتجرعان نبيذ الجولان

1

 
 
أيمن حسين
 
وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الاثنين الماضي، على قرار يسمح بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، وعقب التوقيع أهداه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نبيذا إسرائيليا من أرض الجولان، ليشربا معا ومساعدوهما نخب افتراس قطعة من أهم وأغلى الأراضي العربية.
مؤتمر توقيع ترامب على قراره لم يكن سوى حفل لإقرار الترابط التاريخي بين العنصرية والإمبريالية، فنتنياهو هو رمز لدولة الكيان المحتل التي قامت على النهج الإمبريالي من خلال التوسع العسكري في الأراضي العربية ودحر ثقافتها وطمس هويتها؛ بينما يعتبر ترامب أيقونة للعنصرية الممنهجة التي تسلب العرب حقوقهم، وتمنح اليهود امتيازات في غير أوطانهم، وما نبيذ الجولان سوى ترياق مستخرج من نبتة عربية يمنعانه عن الشعوب العربية، ويحظران عليهم تناوله ليتجرعاه معا في جلسات الاحتفال بسلب الإرادة واغتصاب الهمة.
منذ نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين دأب اليهود على إيجاد كيان يجمعهم، وحتى قبل ميلاد دولتهم سِفاحا، ظهرت الحركة الصهيونية العالمية، ونشر الصحفي اليهودي المجري ثيودور هرتزل كتابا بعنون “دولة اليهود” استعرض خلاله أسباب “معاداة السامية” وهي المرة الأولى التي استخدم فيها المصطلح، ومنذ ذلك الحين تداول اليهود المصطلح، وتسللت الصهيونية إلى مراكز صنع واتخاذ القرار في الدول العظمى حتى وضعت مصطلحها الجديد ضمن خطط وسياسات هذه الدول.
بالتأكيد المصطلح هو لفظ عنصري في المقام الأول، لأنه يميز اليهود عن غيرهم من جنس البشر، ويضعهم ـ حسب الصهيونية ـ بأنهم شعب الله المختار وأنهم يَسْمُون فوق كل البشر، وأن أي معادٍ لهم هو معادٍ للسامية، وتطور الأمر إلى إقرار قوانين بمعاقبة معاداة السامية، وربما يفسر هذا وقوف ترامب يوم الاثنين الماضي وهو يومئ برأسه كأنه “ثمل” ويبرر اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان، وإقراره بأنها أرض محتلة منذ عام 1967، وأن إسرائيل تعاني من عدم استتباب الأمن فيها منذ احتلالها، ورغم ذلك أقر بحق إسرائيل فيها؛ بل وتحدث بكل بجاحة قائلا “سنواجه سموم معاداة السامية”.
لم يكن قرار الجولان هو الأول المبين لعنصرية ترامب ضد العرب، فقد سبقه عدة قرارات وإجراءات منها نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وإصراره على تنفيذ صفقة القرن على الأراضي العربية، بخلاف قراراته المتعددة ضد دول عربية وإسلامية.
في المقابل وقف نتنياهو ممثلا للإمبريالية الصهيونية وهو منتشٍ، فها هو ينتزع اعترافا من دولة عظمى بسيادة إسرائيل على أرض سورية تم احتلالها عام 1967، ووصف قرار ترامب بأنه “عدالة تاريخية” و”نصر دبلوماسي”، وهو في قرارة نفسه يراه نصرا للإمبريالية التوسعية في التمدد عبر الأراضي العربية.
الحقيقة أن المشهد الذي جمعهما لم يكن سوى مشهد تمثيلي صنعاه وأدارت أجهزة بلادهما كواليسه في السنوات الماضية، بدءا من تقطيع جسد الدولة السورية إلى أشلاء، وظهور تنظيم إرهابي ـ تنظيم داعش ـ يقوم بعمليات تخريب في البلدان العربية وتشريد شعوبها، وكذلك نشر الفوضى حتى يكون الاستقرار هدفا بدلا من التنمية والبناء والتقدم، وفي سبيل ذلك، لا تدخر إسرائيل جهدا في المضي في سياساتها الإمبريالية مستظلة بغمامة العنصرية الأميركية التي تدعمها لتحقيق حلمها، لهذا تجرعت العنصرية والإمبريالية نبيذ الجولان بفرحة النصر.

التعليقات معطلة.