كيف يقرأ الرأي العام الأوروبي حصار قطر؟

1

 

أحمد القديدي

قضيت هذا الصيف في فرنسا، حيث تعيش أسرتي، لكني تجولت بما أتيح لي في بعض العواصم الأوروبية، وشاركت كلما دعيت في منتديات وموائد مستديرة ينظمها بعض أصدقائي الأكاديميين هنا وهناك، ربما للاستئناس برأيي في الشأن الخليجي بالنظر إلى صلاتي الوثيقة بمجتمعات الخليج على مدى ثلث قرن، وربما ليفيدوني بتوقعاتهم للمستقبل، وهم يدركون أن منطقة الشرق الأوسط فيها ما يكفيها من الأزمات الأخطر والأكثر تأثيرا في مصالح الاتحاد الأوروبي، مثل إعلان استقلال إقليم كردستان العراق، أو انسداد أفق الحلول السلمية بين شعب فلسطين والدولة العبرية، أو استمرار العنف والفوضى في الدول التي تعاني ويلات الحروب الطائفية، وتتحمل مصائب التدخلات الأجنبية المختلفة والمتناحرة هي الأخرى على أراضيها، أمثال ما يقع في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

وحاول الزميل باسكال بونيفاس، رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية، مرات عديدة أن يحلل الأزمة الراهنة من منظور القانون الدولي. مؤكدًا أن انطلاق الحصار جاء من دون مقدمات منطقية مقنعة للرأي العام الأوروبي والدولي حيث لم يجد المراقبون النزهاء للشأن الخليجي أي مبرر لحصار من الحجم الثقيل لدولة مستقلة مسالمة لأن المطالب الثلاثة عشر التي قدمت للسلطات القطرية لا ترتكز إلى سند معقول ومقبول في القانون الدولي ولا يتموقع أي منها ضمن الأعراف الدبلوماسية المتفق عليها.

هذه المعاني أكدها الشيخ محمد بن عبد الرحمن وزير خارجية قطر في الندوة التي نظمها المعهد في باريس بحضور نخبة من خبراء الدراسات الاستراتيجية الفرنسيين، ومن ناحية ثانية طالما أثارت الصحيفة الباريسية الأكثر رواجا (لوموند) في مناسبات عديدة وفي نقلها لتصريحات وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن ملف الحصار محاولة منها تفكيك ألغاز تلك المطالب معبرة كما في عددها يوم 2 أغسطس 2017 عن رفض قطر لتلك المطالب ويوحي المقال المخصص للاتفاق الأمريكي القطري حول مقاومة الإرهاب بأن دولة قطر تعتبر شريكا كاملا وصادقا وملتزما في الحرب الدولية على الإرهاب وتجفيف منابعه وملاحقة مرتكبيه. بينما أشارت وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب) في تقاريرها من مراسليها في الخليج إلى انعدام المصداقية وانتفاء الجدية في المطالب المقدمة لدولة قطر لأنها بكل وضوح تمس من سيادة دولة مستقلة وتندرج ضمن إرادة معلنة لتغيير خياراتها وتحويل وجهة سياساتها وهي تلاحظ في أغلب تعليقاتها أن كل دول الخليج تشترك في نفس السياسات مثل علاقاتها مع الجمهورية الإيرانية حيث تصنف قطر في الدرجة الرابعة من حيث معاملاتها التجارية مع إيران! أما الموقع الإعلامي الفرنسي (لابريس) فهو يصف المطالب يوم 4 يوليو 2017 بكونها غير قابلة للتحقيق وبأنها تعجيزية لا يمكن الاستجابة لها.

ثم جاء تصريح الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) أثناء استقباله لصاحب السمو أمير قطر في قصر الإيليزيه ليسمي الحصار باسمه الحقيقي (أي حصارا) ويطالب برفعه في أقرب الآجال ولم يكن هذا التصريح سوى خلاصة أمينة لما يقرأه الرأي العام الفرنسي والأوروبي في تعقيدات الأزمة الراهنة.

وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الروسي لافروف حذا حذو الرئيس الفرنسي وسمى الأشياء بأسمائها وذلك منذ زيارة الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى موسكو في 10 يونيو إلى جولته الخليجية في 27 أغسطس 2017. وهي مواقف ثابتة لم تنحز سوى للحق والعودة للحوار وتعزيز الوساطة الكويتية. ولو حللنا البرقيات الإخبارية الصادرة عن الوكالة الفرنسية للأنباء منذ بداية الأزمة لأدركنا أن محرريها لم يتمكنوا من رصد حجج دامغة من لقاءات وزراء خارجية الدول الأربع تدين دولة قطر، كما أن أغلبهم سجلوا الاضطراب والحرج على وجوه وزراء الخارجية للدول التي أعلنت الحصار عندما يطالبهم الإعلاميون بالبراهين الثابتة حول ما يدعون وفي المقابل يسجلون ارتياحهم للبيانات القطرية، والتي توجها صاحب السمو أمير قطر في خطابه الصريح والمنهجي على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤكدين جميعا سلامة المواقف القطرية وابتعادها عن التوريات وتركيزها على الأمل في الحل العادل وعودة الأخوة والتعاون بين الأشقاء.

التعليقات معطلة.