زهير ماجد
يحبذ الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أخذ مسافة دائمة بيننا وبين الشيء أو القضية أو الحدث .. كلما اقتربنا منها أصاب عيوننا غبش ما .. فهل ينطبق ذلك على موقف مثلا مما يجري في ليبيا وهو متوقع، وما سيجري اليوم من انتخابات في إسرائيل والتوقعات فيها قائمة..؟ المتقاتلان في قطرنا الليبي كم تصافحا قبلا، وكم زارا معا أماكن ورجالات، لكن المؤكد أن قتال الجيش الليبي محكوم بطرد المسلحين من العاصمة ومن كل الأماكن .. لا يمكن لعاقل إلا أن يقف بحماس مع هذا التوجه .. ليبيا مع كل مزاجية القذافي وانشطاراته، إلا أنها أعطت الأمان الكامل لشعبها، لكن مهندسي المؤامرات والاغتيالات أدركوا ما بعد المؤامرة على ليبيا فقتلوه..
ومع أني لا أحفل كثيرا في الانتخابات الإسرائيلية التي تجري اليوم، وبات مؤكدا أن بنيامين نتيناهو عائد كنسر محلق مهاب، إلا أنه لا بد من السؤال عن الهدايا التي أسقطت عليه من قبل الروس والأميركان أجمعين..؟ أعطاه ترامب ما يحلم به، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس إلى الجولان، وكل الدعم الآخر الذي تلقاه، ومنحه الرئيس الروسي بوتين رفات الجندي في لحظة فارقة من عمره السياسي أيضا، دون أن ننسى المنح المجانية الروسية التي هي الصمت على ضرباته الجوية على المواقع السورية.. فلا بد من فهم موقف بوتين، سوى أنه شد على يد ترامب في قراراته تجاه إسرائيل .. وقولة حق إن الحلم الروسي بالمياه الدافئة والأرض الدافئة لم يكن ليحصل لولا سوريا التي أنعمت على روسيا ما كان حلم به كل قياصرتها من حضور في الشرق له معنويات مقدسة وفي أعلى درجاتها. صحيح أن سوريا غنمت من الوجود الروسي حربا ومعارك، إلا أن ما ناله الروسي في سوريا أكبر بكثير..
مع أني كما قلت لا أنوي الاقتراب مما اقتربت منه، إلا أن الساحة العالمية لم تهدأ إزاء ليبيا، ثم إسرائيل ..
الليبيون يتقاتلون، ولا أحد يقاتل أحدا بالمجان .. هنالك داعمون للأطراف، وهنالك من ما زال يراهن على انتصار الشر المتمثل بالمسلحين الذين اغتنوا من السطو على الثرى الليبية بكل غنائمها ما فوق الأرض وما تحتها . والمؤكد أن محيط ليبيا العربي لن يبخل في تأكيد موقفه ضد الإرهاب الذي كبر كثيرا وتنظم أكثر ودعم إلى حد الانتفاخ .. وصار لكل زاوية هنالك مرشد وزعيم وقطعة أرض بحجم دولة، ونعرف أن ليبيا ذات مساحة هائلة على عدد سكاني بسيط. فهل تستكمل المعركة حتى النهاية، أم أن المخطط الأكبر هو إبقاؤها على حالها المزرية نظرا للحاجة إليها مقطعة الأوصال وعلى كل منها ديك يحكم ويقرر، فيما احتار في أمره المسؤول الأممي غسان سلامة وهو يقوم بالترقيع هنا وهناك، ويكتشف أن حله لا يتجاوز الدقائق الخمس هذا إذا حل؟!
أما إسرائيل، التي وصفت اليوم بأنها في قمة يمينيتها، فإنها ذاهبة إلى منح نتنياهو بعدما عدلت هدايا ترامب وبوتين من كل سؤال بلا إجابة لصالحه، فيكون لو فاز (وكل الترجيحات أنه سيفوز) قد تجاوز عمره في السلطة أكثر من مؤسس كيان إسرائيل ديفيد بن جوريون..
حاولت عدم الاقتراب، لكني اقتربت، كيف لا وأشعر بحماوة ما اقتربت منه يلامس أصابعي..!