خميس التوبي
بإعلان الفائزين في انتخابات الفترة التاسعة لمجلس الشورى، ومع تهنئتنا لهم بالفوز والدعاء لهم بالتوفيق والسداد، وتذكيرهم بعظم الأمانة والمسؤولية، تبدأ مرحلة جديدة يدشنها الأعضاء المنتخبون ممثلين عن الشعب أو بالأحرى باسم الشعب، تصاغ خلالها خريطة طريق عبر مجموعة من العناوين تعنى بالشأن الوطني، وبمسيرة البناء والتنمية، حيث مطلوب من المجلس الجديد باسم الشعب وممثلًا عنه أن يضع يده في يد الحكومة لوضع لبنات جديدة في هذه المسيرة.
وبعيدًا عن الأسماء والشخصيات، سواء التي أُعيد انتخابها أو تدخل لأول مرة تحت قبة مجلس الشورى، فإن اختيار الأكفأ والأقدر والمؤهل المقياس الحقيقي لمدى الوعي الوطني الذي يفترض أنه مع ثلاثة عقود تقريبًا من عمر تجربة الشورى قد تطور وتسامى على الاعتبارات الضيقة التي كانت تحجِّم الدور والمشاركة الواثقة والحقيقية بالنسبة للناخب، وتسامى على الاعتبارات الشخصية والمصالح الذاتية والآنية بالنسبة للمنتخب، بجعل المجلس الشورى مطية تستناخ، ومنصة متقدمة لخطب الود ونسج حروف الغزل وقرض معلقات المديح لمعاليه لتحقيق مصلحة شخصية هنا، ومنفعة ذاتية هناك.
لم يخفِ السواد الأعظم امتعاضهم من الفترة الثامنة لمجلس الشورى، والصورة الباهتة التي بدا عليها دور المجلس ـ رغم نجاحه في توظيف صلاحياته ومسؤولياته في عدد من ملفات القضايا والقوانين المعروضة عليه ـ وذلك بسبب وجود أعضاء لم يكونوا على قدر من المسؤولية، ولم يكونوا عند الثقة التي وضعها فيهم ناخبوهم، الأمر الذي جعل هؤلاء الناخبين يحكمون بالكلية على المجلس ويطلقون عليه تهم الفشل في الكثير من القضايا، متناسين حقيقة دورهم في هذا الخلل، وذلك بتصويتهم واختيارهم مرشحين لا تتوافر فيهم القدرات والسمات والكفايات والكفاءات التي تؤهلهم للجلوس على مقاعد مجلس الشورى، فكانت حالة التردي والنكوص، ومناطحة طاولات المجلس، وممالحة معاليه هي النتيجة المخيبة للآمال، في حين أن هناك أعضاء داخل المجلس في فترته الثامنة ـ ولا داعي لذكر الأسماء ـ كانت لهم بصماتهم الوطنية، عبَّرت من خلال مداخلاتهم ومناقشاتهم لما يطرح من بيانات للوزارات الخدمية عن وعيهم الوطني وغيرتهم وثقافتهم، وكان خروجهم أو خروج بعضهم اختيارًا أو إجبارًا خسارة ليس للمجلس وإنما خسارة لهذا الوطن.
إن مشاركة المواطنين عبر مجلس الشورى في مسيرة البناء والتنمية يمكن وصفها بأنها مشاركة هرمية ـ إن جاز الوصف ـ حيث يعد وعي المواطن ليس في اختيار المرشح الأنسب والأقدر والأكفأ والمؤهل فحسب، بل الإتيان به وتشجيعه، بعيدًا عن الحسابات الضيقة كالقبيلة أو القرابة والمصاهرة أو المصالح الذاتية، هو قاعدة الهرم العريضة التي ستتوقف عليها عملية بناء باقي أجزاء الهرم، والقاعدة إذا كانت قوية وصلبة فإن التماسك البنائي للهرم يكون قويًّا وصلبًا، وهذا ما سيظهر خلال مراحل سير العمل لمجلس الشورى، حيث الحضور اللافت والفاعلية العالية، والتأثير الكبير العنوان الأبرز لمسيرة من العمل الوطني عمرها أربع سنوات. علمًا أن هناك كفاءات وطنية لم ترغب في ارتياد هذه الدرب، وبالتالي يجب تحفيزها لقيادة مرحلة تحتاج إلى هذا النوع من الكفاءات.
لقد كان لافتًا ما جاء في تصريحات عدد من الأعضاء في مجلس الشورى والذين مروا بتجربة العمل الشوروي، واطلعوا على الصلاحيات الرقابية والتشريعية الممنوحة للمجلس، وعلى لائحته الداخلية، وذلك عبر عدد من اللقاءات الإعلامية التي أجريت لهم، والتي نقلت حيثياتُها صورةً من داخل مجلس الشورى، سواء أثناء استضافة وزراء الخدمات، أو عند التصويت لقرار الاستجواب لأحدهم، وهي صورة مخيبة للآمال، وتؤكد ما قلناه آنفًا إن ثمة من الأعضاء ـ وللأسف الشديد ـ من جعل مجلس الشورى قناة اتصال خاصة مع وزراء الخدمات لتحقيق مآربه، فالتخلف عن حضور جلسات مناقشة البيانات الوزارية، وعدم التصويت لقرار الاستجواب، أمران يرسمان صورة مشوهة، ويعكسان فداحة عدم التوفيق في اختيار مثل هؤلاء الأعضاء، علاوة على صور الاستعراض التي ظهر عليها بعض الأعضاء أثناء عدد من الجلسات.
اليوم نودع مجلسًا طوى صحائفه، ونستقبل آخر قادمًا إلى دور يحتاج للنزاهة وعمق التفكير وحسن التدبير، بوصلته عُمان الحاضر والمستقبل، وفي جوهر التفكير كل مواطن لديه تطلعات وآمال ورغبات وأسئلة تبحث عن قدرات ومهارات للتحقيق والإجابة، رأى أنها موجودة فيمن صوت له، وهذا ما يجب أن يضعه كل عضو منتخب في حسبانه. من المؤكد أن المواطن لا يطالب بالمستحيل، وإنما يطالب بتوظيف الصلاحيات الرقابية والتشريعية الممنوحة لمجلس الشورى من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تحقيقًا لرؤية جلالته ـ أيده الله ـ ليكون المجلس دعامة من دعائم النهضة المباركة، وليكون إشادة في ديمقراطية يستحقها هذا الوطن الغالي وأبناؤه الأوفياء.
إذا، نحن أمام مرحلة جديدة من العمل الشوروي والمشاركة في مسيرة التنمية الشاملة التي جاءت من أجلها النهضة المباركة، وبالتالي كل التنميات والرجاء بأن تعكس هذه المرحلة النضج والوعي لدى الجميع ناخبين ومنتخبين.

