جودة مرسي:
روايات متعددة نسجت منذ ارتدت صابرين (التربون)!! فمرة نسمع ونشاهد ونقرأ أن صابرين ارتدت الحجاب!.. ثم صابرين خلعت الحجاب.. وهذا ما حدث الأيام الفائتة في نشاط مكثف أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، وهي قضية حسمت منذ ما يقارب 15 قرنا من الزمان. والسؤال: من هي صابرين؟ هل هي داعية إسلامية خرجت من جلبابها وارتدت عن الإسلام؟ الإجابة: بالطبع لا. هي امرأة مسلمة تمتهن التمثيل بأدوار محترمة، وترتدي وتخلع ما تستطيع حسب الأدوار التي تقوم بأدائها، وقد قالت في كل تصريحاتها “إنها بالأساس لم تكن “محجبة” وإنما كانت ترتدي “التربون” وهو عبارة عن غطاء رأس يشبه القبعة”.
هل ارتداء صابرين أو غيرها للحجاب سيزيد الإسلام قوة؟ أم أن خلعها للحجاب سيضعف الإسلام؟ كل ما في الأمر أنها إذا ارتدته فقد التزمت بفريضة من فرائض دينها، وإذا خلعته فقد ضيعت فريضة، قال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ…) النور/31. إذن حسم الأمر بكتاب الله، فالحجاب حكمه معروف، وليس محل خلاف ولا اجتهاد.
أما لماذا تتصدر مثل هذه القضايا رأس الفتنة في أوقات بعينها، وهي قضايا خالية من أي قيمة مضافة لحسمها مسبقا، هي فقط من أجل الابتعاد عن أحداث وقضايا تستحق أن تشغل الأمة، وإشغالها بالتغافل عن أفعال الصهاينة بالمستضعفين في فلسطين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بخلط الأوراق وتدجين العقول، وترك الفريسة تصارع وحدها ضباع الغابة، في اعتداءات وحشية على أهل غزة ضحايا الأمة. كلها أهداف متطرفة من رئيس وزراء متهم يسعى لإنقاذ نفسه من الوقوف خلف القضبان بسبب الفساد، وفشله في تحقيق الأغلبية بالانتخابات ما أفشله في تشكيل الحكومة، فأشعل الأزمة واعتدى على غزة بعد أن اغتال بهاء أبو العطا القيادي البارز في سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، واستخدم أصدقاءه في تعلية نبرة الصمت وغياب الإدانة، والانشغال بقضايا مثل (حجاب صابرين) ليتوارى الحشد خلف قضية الحجاب فيدخلوا الكهف كسابعهم.
وفي لحظة موتورة من عمر الإنسانية تختفي غضبة الشارع العربي المنهك في العديد من الأزمات ودُفع إلى الكفر بالتاريخ والمصير المشترك، فاختفت نداءات على شاكلة (لبيك يا غزة، أو نحن فداؤك يا فلسطين) ولم تتحرك أي مشاعر تجاه المشاهد المؤلمة للشهداء والمصابين من الكبار والصغار جراء القصف الصهيوني، فقط، إلا من رحم ربي من قلة القوم حاولوا في بعض البلدان العربية وقبض عليهم بتهمة التضامن مع أهل غزة!!
فقط الشعب الفلسطيني ـ وكالعادة ـ ترك وحيدا يواجه مصيره، ويقاوم نيابة عن شرفاء العرب أمام آلة عسكرية لا ترحم ولا تذر، ليصمد ويثبت أنهم فقط نعم الرجال ليغسلوا بعض الخجل الذي اعترى بعض الوجوه التي لا تخجل من صمتها.
من يراجع تغريدات نتنياهو في اليوم الأول من العدوان على حسابه في تويتر “هناك خطر فوري على دولة إسرائيل، وأدعو لاجتماع عاجل في تل أبيب”. وما حدث من عدوان بلغت حصيلته نحو 36 شهيدا وأكثر من مئة مصاب، وتدمير 30 وحدة سكنية وتضرر أكثر من 500 وحدة، يبين أن أهل غزة لم يعتدوا على الكيان الصهيوني، وأن من يريد أن يشعل الأرض هو نتنياهو لفشله في تشكيل الحكومة وخوفه من الزج به في السجن بسبب قضايا الفساد المتهم فيها. وهي كما ذكرها المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت، الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، وأعقب ذلك تحركات داخل حزب “الليكود”، لتنحيته من رئاسة الحزب، بعد توجيه لائحة اتهام ضده، فأراد أن يقطع الشجرة لكي يقطف الثمرة.
إن صمود أهل غزة وردهم القوي على اعتداءات نتنياهو هو من أوقفه عن قطف الثمرة، فذهب إلى أصدقائه طالبا النجدة لوقف إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة والتي أظهرت الرعب الذي يعيشون فيه، هذه القوة في الرد، وهذا الصمود هو ما دفع نتنياهو للفشل في تحقيق أي انتصار يساعده في الهروب من مصيره، ويُعلن بقوائم الاتهام التي قد تكون طريقه إلى السجن وإنهاء حياته السياسية. هكذا يصنع الأبطال المستقبل، بعيدا عن الذين فقدوا عيونهم وأنوفهم ويصدقون ادعاء الذباب أن الجِيَف حلوى.