سعود بن علي الحارثي
مخاطر جمة تعيق حياة الإنسان، وظروف ضاغطة وتهديدات لا حصر لها تفاجئه من بؤر هذا الفضاء الواسع، ومواقف ومؤثرات ومنغصات وأحداث محزنة لا يحسب حسابها ولا يتوقعها في أحيان كثيرة، صحية ووراثية ومالية واجتماعية وأخلاقية… تتواجد وتنشأ وتنتشر لأسباب كثيرة، الأنماط الغذائية الخاطئة، السلوكيات الإنسانية المنحرفة، البيئة الاجتماعية التي يعتريها السقم والجهل والتعصب، خلل وراثي، قصور واعتلال في الفهم والرؤية والإدراك ونقص في المعرفة… وأشد الأخطار المحدقة بالإنسان هي تلك الأفكار والسلوكيات والممارسات المنحرفة والمصالح والأهواء الشخصية التي تحلق في فضائنا المحلي والإقليمي والعالمي، وتتحرك بكل حرية ولها القدرة على الوصول إلى الإنسان حتى في غرفة نومه، وأساليب الاستدراج العديدة وغير المرئية، خصوصا التي يحيكها أصحاب المصالح والمآرب والغايات الشخصية، وينسجها أفراد تخصصهم اصطياد البشر وابتزازهم وإيقاعهم في الفخاخ. وأصبحنا في عصر القرية الكونية والطفرة الإلكترونية وإعلامه المنفتح في مواجهة تهديدات وتحديات ومخاطر لا تحدها الحدود، تباغتنا وتستهدفنا من قبل أولئك الذين نشاركهم تفاصيل حياتنا ويؤثرون في تشكل بيئتنا ويصنعون طعامنا الذي نأكله، وماءنا الذي نشربه، ودواءنا الذي نتداوى به، وجميع ما نستخدمه ونحتاج إليه من ضرورياتنا اليومية، المباشرة منها وغير المباشرة، بل وحتى هذه المخاطر وعمليات الاستهداف يتم استثمارها وتوظيفها من أطراف ثالثة ورابعة بتضخيمها ونشر الإشاعات عنها وبث القلق والرعب بين الناس لما تتسبب فيه من مخاطر هائلة، فنحن في حقيقة الأمر في أتون صراعات وحروب تطحننا حتى في تلك اللحظات التي نستريح وننام فيها في أسرتنا معتقدين أو واهمين بأننا في أمن وأمان واستقرار، فيما تحيط بنا أجهزة النقال والتلفزة واليوتيوب والحواسيب والحافظة لأمن المنزل وغيرها الكثير، تبث أشعتها وبريقها واستشعاراتها ورسائلها ورنينها دون توقف، وعبر شاشاتها نقرأ عن الأمراض الخطيرة والسرطانات التي تنقلها إلى أجسادنا، وبرامج ووسائل وطرق التجسس والمعلومات التي تنقلها هي عنا إلى الآخر، بما في ذلك الاحتيال والابتزاز الإلكتروني وتحويل وسرقة أموالنا بلا حول ولا إرادة منا، فيما يستمر السطو والاستيلاء على أجهزتنا النقالة وحساباتنا في وسائل التواصل لتنطلق منها عشرات الرسائل التي تستجدي الأموال أو تروج لأنظمة سياسية وتبث رسائل الفتنة والتعصب أو تنشر الفيروسات والخراب في أجهزة وحسابات أصدقائنا وأفراد أسرنا، وحولتنا إلى فضاء خصب للشركات والمصانع والبنوك والمشاريع والأسواق التي تستهدفنا وتمارس علينا كل أساليب الترويج والتسويق والاحتيال لجذب وامتصاص كل ريال تحتضنه جيوبنا. أما اكتشافات الغش والخداع وأساليب الاحتيال الممنهجة التي يتم إدخالها إلى أطعمتنا وأدويتنا ومياهنا وقطع غيار سياراتنا بمعنى استهداف حياتنا بشكل أو بآخر فيتحدث عنها العالم ولا حرج من ذلك العار الإنساني، فها نحن نقرأ عنه يوميا في إعلانات وأخبار مؤسسات حماية المستهلك والجهات الأخرى المختصة، وهو قليل من كثير وقطرات من بحر هادر مما يتم تداوله في وسائل التواصل، ويبث الرعب والخوف والقلق في القوب والنفوس وفي بيوت الملايين من البسطاء الذين تشح أمامهم الخيارات ولا يملكون إلا الدعاء والاستسلام والأمل بالنجاة من الأمراض الخبيثة والمدمرة للأجساد البشرية، بل حتى الأوبئة والأمراض التي تنتشر بيننا يعزوها خبراء ومتخصصون وعامة إلى مؤامرة تقف خلفها مافيا الأدوية، أما ما يطلق عليه بـ(التقارير الطبية) والتسجيلات الصوتية التي تنتشر بأسماء أطباء ومتخصصين للترويج لصنف من أصناف الأغذية أو الأشربة كونه يحتوي على سر الحياة ومجموعة من الخصائص التي تعالج أمراض شتى فلا يعدو كونه ترويجا مدفوع الأجر لذلك الصنف التي تقف خلفه شركات عابرة للقارات وتجارا كبارا. فأي مخاطر أكبر وأشد وأنكى مما يعيشه الإنسان اليوم وهو في حيرة من أمره يبحث عن حقيقة غائبة أو مغيبة أو مخفية، وعن إجابات تلقى بين يديه ينفيها طرف بحجج وأسانيد ويؤكدها آخر كذلك بدلائل وبراهين، فماذا يصنع إنسان اليوم أمام هذا الكم الهائل من المعلومات والبيانات والمخاطر والإشاعات المتضاربة؟ إن هذه التقنيات والأجهزة التي بتنا نعتمد عليها في كل ما يرتبط بحياتنا ومعيشتنا وبدلا من أن نوظفها لتحقيق غايات هامة كالتواصل الإيجابي مع الآخر، وترسيخ ثقافة التسامح والوعي والقيم الأخلاقية، والتدبر والتفكر فيما آلت إليه الحضارة الإنسانية، وتطوير ذواتنا وتنظيم حياتنا بشكل عام، وضبط أوقاتنا لما فيه تحقيق مصالحنا وتطوير بلداننا، واستثمار الوقت في تعزيز ثقافاتنا ومعارفنا واستدراك الحقائق والتزود بالمعلومات القيمة والدقيقة، إلا أننا جعلنا منها مصدر إزعاج وقلق ورعب ومساقط فخاخ وشراكا لا حصر لها. إن الآلة في حقيقة الأمر (يجب أن تكون خادمة للإنسان وليست سيده). إنها ضريبة التقدم الإنساني ونتيجة طبيعية لاعتماد البشرية على تقنياته الحديثة، واتكاله على الآلة في كل شأن من شؤونه، ومن المستحيل أن يستغني إنسان اليوم عنها ويهجرها ليعود إلى حياته البدائية القديمة، ولكن علينا أن نعمل بإرادة صلبة لمضاعفة منافع التقنية الحديثة، ومنتجاتها التكنولوجية العصرية لحماية مصالحنا وحياتنا وصحتنا والذود عن سعادتنا وأجسامنا من مخاطرها الجسيمة، بدلا من استثمارها في الأضرار ونشر الإشاعات وتضييع الأوقات وإهدار المال وإفساد القيم والأخلاق.