كورونا.. ما بين الوهم والحقيقة

1

 
جودة مرسي:
 
بات فيروس كورونا المستجد من أكبر المخاطر الوبائية التي تهدد العالم في الوقت الراهن، ولم يتم التوصل لعلاج له حتى الآن، وهاجس حصاد الفيروس للأرواح يقابله توجس الدول خيفة من انتقاله وتفشيه فتقابله باحتياطات واحترازات وقائية كتقييد حرية السفر، وفرض إجازات إجبارية على الكوادر العمالية، وطالت الاحتياطات التعليم والدراسة والأسواق، وأشكال التعاملات الاجتماعية كالعناق والمصافحة.
أكثر النظريات والتحليلات التي وجدت صدى وانتشارا لدى المهتمين بنظرية المؤامرة والباحثين عن الحلول السريعة لتمييع الأحداث، هو أن أميركا تسببت في وجود الفيروس على مستوى العالم بهدف ضرب الاقتصاد الصيني والإيراني، ويستدلون على ذلك بالخلاف الأيديولوجي والسياسي مع الولايات المتحدة الأميركية، مبررين الانتقام الأميركي بأنه يأتي في إطار الحروب البيولوجية التي تسبب الصدمة والأثر بطريقة أسرع وأقوى، وضحاياها أكثر عددًا، وقناعتهم في ذلك أن الصين وإيران هما الدولتان الوحيدتان اللتان فرض عليهما حظر التنقل، وخصوصا الصين التي تضررت اقتصاديا بشكل كبير ما أدى لإحداث خلل في الأسواق العالمية.
فهل فيروس “كورونا المستجد” سلاح بيولوجي فتاك موجه نحو أهداف ما؟ أم أنه وباء طبيعي نتيجة بعض الخلل في الطبيعة؟ وهل هو جانٍ على البشر أم مفترى عليه؟
الحقيقة أن نظرية المؤامرة لاقت قبولا لدى قطاع عريض من الناس، ولكي تكون الحبكة الدرامية أقرب للتصديق كان استدلال البعض بالأحداث التي روج لها قبل تفشي الفيروس مثل اضطهاد الصين لمسلمي الإيجور، وتسليط الضوء في هذا التوقيت تحديدا على معاناة المسلمين في الصين؛ والحقيقة أن الإدارة الأميركية ـ خصوصا الحالية ـ هي آخر من يمكن الوثوق في توجهه بالدفاع عن الإسلام والمسلمين؛ بل العكس، تعلن إدارة ترامب عداءها الواضح والعلني لكل ما هو مسلم، ولا ننسى بداية توليه الرئاسة بمنعه العديد من مواطني الدول الإسلامية من الحصول على تأشيرة دخول الأراضي الأميركية.
يكفي استدلالا ما تناوله حديث ترامب في زيارته الأخيرة للهند والتي أدت إلى اقتتال طائفي نتج عنه وفاة 25 مسلما، وبذلك فيستحسن لمروجي نظرية “كورونا صناعة أميركية لضرب الاقتصاد الصيني” أن يرشحوا كورونا للرئاسة الأميركية القادمة، فقد قام الفيروس بما عجز عنه ترامب في حربه الاقتصادية مع الصين، أو ينتظروا لمعرفة الأسباب الحقيقية لوجود الفيروس وانتشاره.
إن تلك الأحداث وما ينتج عنها من آراء قد نختلف أو نتفق معها، إلا أنها تتيه العقل في البحث عن وضعنا الحقيقي في مثل هذه الأزمات، فما زلنا ننتظر الحل والعلاج من الآخر ولا نبحث بأنفسنا عن أسباب العلاج بعد أن حاصر المرض بعض دولنا وقد يمتد ليمنعنا من مغادرة بيوتنا أو أوطاننا، فالجريمة تبدأ من تعطيل الفكر وإيجاد الحلول بالاعتماد على الآخرين لإمدادنا بطوق النجاة.
إن رؤية الصورة على حقيقتها أولى درجات الحلول، فإذا كانت الصين تضررت، فإن دولا أوروبية وآسيوية وشرق أوسطية كثيرة تضررت هي الأخرى، فمن ضمن تداعيات الفيروس الاضطرابات التجارية العالمية التي أثرت على الصناعة وصادراتها، والتعدين، والسفر، والبناء، وتجارة التجزئة، والسياحة في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وربما الولايات المتحدة، والعديد من دول العالم. فكما ذكر تقرير لفورين بوليسي “أن الشركات الصينية التي تعمل في مشاريع مبادرة “حزام واحد طريق واحد” حول جنوب شرق آسيا ستتكبد خسائر فادحة جراء التأخير وارتفاع التكاليف الناجمة عن تعطل سلسلة الإمداد وانقطاع العمال عن مزاولة أنشطتهم، ومن المرجح أن تشهد البرازيل، التي تعتمد على السوق الصينية كأكبر شريك تجاري لها، تباطؤا في نسبة النمو هذا العام بسبب تداعيات انتشار المرض”. ومن المحتمل أن يؤدي التباطؤ إلى عرقلة خطط الولايات المتحدة ـ نفسها ـ لزيادة صادرات المنتجات الزراعية والطاقة والسلع المصنعة إلى الصين بشكل كبير، وهو ما يدفعنا للوقوف أمام أنفسنا لوضع كل الظواهر والتداعيات المحيطة بفيروس كورونا المستجد في نطاقها الطبيعي، فالوباء ليس له علاقة بالسياسة والاقتصاد بل بالعلم والدراسة والأبحاث.

التعليقات معطلة.