طارق أشقر
فيما استحقت جائحة كورونا التي ملأت الدنيا وشغلت الناس المزيد من الاهتمام البشري بما ينبغي اتخاذه من إجراءات احترازية تستدعي المزيد من الجدية في الحرص والحذر، فقد انعكس واقع الحال الذي تعيشه العائلات داخل منازلها على سلوك وقناعات الأطفال حتى من هم دون سن الوعي والإدراك بما هي كورونا، وماذا تعني هذه الكلمة؟ وإلى ماذا تشير؟
فقد لفت نظري سلوك طفلتي (ريم) التي بلغت الست سنوات قبل يومين بالتحديد، فكلما اقترب منها أحد أفراد العائلة لتقبيلها صدته بلكنتها الخاصة التي تحمل الدلال والغنج الطفولي والحزم معا، قائلة له بحروف مكسرة (كوونا كوونا) مستبدلة حرف “الراء بحرف الواو”، لتنطق كورونا بكلمة “كوونا”، وكأن لسان حالها يقول لقد كوتنا كورونا بنار الخوف منها!
ليس هذا فحسب، بل حتى لو تحشرج أحد أفراد عائلتها عرضا أو سعل قليلا ووقع صوت الحشرجة أو السعال على مسامعها لسارعت أيضا بترديد عبارة “كوونا، كوونا” وتتبع ذلك بضحكة طفولية مكتنزة بالبراءة، وكأنها تسخر ممن سمعته يتحشرج.
حال الطفلة (ريم) كيفما كان له خصوصيته العائلية، فهو على كل حال يمكن الأخذ به كمؤشر من مؤشرات ما وصل إليه حال المجتمعات المحلية في التعاطي مع جائحة كورونا التي أصبح الحذر منها سلوكا يوميا داخل البيوت، وفي الشارع وفي مواقع العمل التي يحرص فيها الجميع على الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي حرصا على حياتهم بالدرجة الأولى.
إن الالتزام بالإجراءات الاحترازية تجاه هذه الجائحة التي مثلما يبدو أنها كسرت غرور البشر بمقدراتهم وكشفت حقيقة ضعفهم تجاه ما هو أضعف منهم، فهي أيضا وسعت لديهم مستوى الوعي الصحي، وبأهمية أخذ المهددات الصحية مأخذ الجد دون استهتار.
أن يصل الخوف من كورونا إلى “ألسنة الأطفال” الذين ربما لا يكون الخوف قد بلغ قلوبهم إلى ذلك الحد باعتبار أنهم لا يدركون حقا ما هي كورونا؟ وما خطورة مرض كوفيد 19 الذي يسببه ذلك الفيروس؟ إلا أن مجرد رفض الأطفال لتقبيل أفراد عائلاتهم لهم، أو مجرد تهكمهم على حشرجاتهم، فهي مرحلة جديرة بالوقوف عليها، بل يمكن البناء عليها لتنشئة جيل جديد شديد الحساسية تجاه كل ما هو خطأ من سلوك اجتماعي، وسريع الاستجابة لكل ما ينبغي اتباعه من سلوك صحي يحمي ويقي حياتهم من الفيروسات، والبكتيريا التي تسبب الأمراض، وذلك بغرس الكثير من العادات الصحية ضمن سلوكهم طوال حياتهم.
ورغم أن الحرص على غرس العادات والسلوك الصحي كغسل اليدين، وترك الأحذية بعيدا عن أماكن ممارسة حياتهم، وأخذ الحيطة والحذر من كل ما يمكنه نقل العدوى والأمراض، هي من ضمن المسلمات التي ظلت العائلات منذ قديم الزمان تعمل على تلقين أطفالها بها، إلا أن “زمن كورونا” يبدو أنه عزز وأسهم في تسريع تلقين العائلات لأطفالهم بهذه القيم الصحية عسى ولعلها تضمن إنقاذ الأطفال وكافة أفراد العائلات من هذه الجائحة… سائلين الله عز وجل أن تنجلي هذه الجائحة بأسرع ما يمكن، وأن تترك وراءها حزمة من القيم الصحية التي يتبعها الناس حاليا، حيث يرجى الحرص على اتباعها حتى في مرحلة ما بعد كورونا… والله اللطيف المستعان.