علي البدران + أحمد الحلفي
الكل سمع بقصة عزاء الهارثة الذي تسبب بتفشي كورونا كأكبر نسبة إصابة في العراق حسب وزارة الصحة لكن تلك الرواية كانت من الجهات الحكومية فلم يطلع احد حتى الآن عليها من أهل العزاء أنفسهم والمنطقة المحيطة بهم، المربد تأخذكم في هذه السطور ولأول مرة لحديث أهل الهارثة من داخل الحجر الصحي.
يبدأ (علي حسين قاسم المالكي) حديثه من داخل محجره مع أبناء عمومته في المدينة الرياضية الطابق الأول عمارة رقم 6 عائداً إلى الوراء منذ بداية القصة وهو يفصّل قائلاً: “عمري 55 سنة ونحن نسكن منطقة أبو صخير قرية بني مالك الشمالية قرب مشروع الماء توفي ابن عم والدي ونحن أصلا لم نقيم مجلس عزاء (فاتحة) ولكن عند حصول الوفاة فإن الناس أخذت تأتي إلينا لتقديم التعازي (خو ما نطردهم؟!)، وعندي أحدى بنات عمي مصابة بمرض الربو منذ فترة طويلة فأخذوها للفحص وقالوا لها أنت مصابة بكورونا وبعد مدة طلبنا من الجهات الصحية ان يقوموا بفحصنا جميعا لكن عقب يوم واحد.
احضر قائمقام القضاء (الهارثة) 22 سيارة إسعاف حيث كنت حينها خارج البيت (طالع بسيارتي الستاركس) فلاحظت حصول زحام ونصب سيطرة جديدة وطلبت القوات الأمنية من أصحاب المركبات الرجوع، فرجعت عند ذلك وفوجئت بالجيش والشرطة يركضون نحوي وحاصروني في مكاني يقولون لي أنت مصاب..أنت مصاب، مع العلم إن الفرق الصحية عندما جاءوا إلى البيت قمنا بالفحص جميعا وأحضرت جميع عوائلنا للفحص بعد فاتحة جدي بـ 15 يوم”.
وأوضح “كانت بنت عمي تصاب بنوبات الربو (صدرها يتنك) منذ سنوات قبل الفاتحة ولكنها بعد الفاتحة ذهبت للفحص بسبب أعراض الربو ولما أخبرتها الجهات الصحية بأنها مصابة بالفيروس؛ طلبنا منهم فحصنا وذلك لأننا متأكدين من عدم إصابتنا بكورونا فضلا عن ذلك فإن إيداعنا الحجر كان لأننا ملامسين ولسنا مصابين وحتى ابنة عمنا ليست مصابة بالمرض (بس شافوا صدرها متنك) وأخبروها (أنت مصابة بكورونا)”.
وعند سؤاله عن سبب اعتراضهم على إيداعهم الحجر؟
أفاد المالكي قائلا “الذين يتم إيداعهم الحجر يتم الاستفادة منهم عن طريق تخصيصات مالية (ياخذون بيهم فلوس) فكل مشخص بفيروس كورونا يتم تخصيص 3 ملايين دينار لمتعهد الطعام (شخص من شمال العراق) بالاتفاق مع مطعم محلي (مطعم حجي حسون) فوفق العقد يقدم وجبة الغداء بمبلغ 55 دولار وكذلك بالنسبة للعشاء والإفطار (الريوك) ولهذا يعملون على زيادة أعداد المصابين من اجل المتاجرة بأبناء البلد”، ووجه الحديث إلى رئيس خلية الأزمة “عندما تم إيداعنا الحجر أليس لغرض العلاج؟! لكن الواقع إننا تم نقلنا منذ يومين إلى المدينة الرياضية ولم يعاين حالتنا أي كادر صحي ولم نتابع من اي طبيب ولم يقدم لنا أي علاج وكان قرار نقلنا إلى المدينة بعد إخبارنا بأن إصابتنا خفيفة” (ختم حديثه).
وينتقل الحديث إلى أخيه (عبد الزهرة حسين قاسم المالكي) من مواليد عام 1973 وقد سألناه كم شخصا بعد الفاتحة ظهرت عليه أعراض الإصابة ليبين قائلا “لا يوجد أبدا أي شخص ظهرت عليه الأعراض وأنا اعمل كشرطي (في شرطة الطاقة بمنطقة الشعيبة) أقف في السيطرة طوال الوقت ولم أشعر بأية أعراض ولا حتى أهل منطقتي”، مضيفا “أنا لست راضيا عن إيداعنا الحجر وأخذنا من منازلنا لأننا لسنا مصابين (ما بينا شي) ولكنهم فاجئونا بمجيئهم (اجو علينا غفل) حيث اخذوا منا مسحات دم في البداية، وعند ذهابي إلى الدوام وجدتهم فجأة يقطعون طريق مشروع حقن الماء، فسألتهم ألم تأخذوا يوم أمس مسحات من دمنا لغرض الفحص، أريد أن أرى اسمي؟ فوجدت اسمي موجودا بين الأسماء، قلت لهم حينها (عمي آنا رايح للدوام كلشي مابيه) فأخبروني أنهم سيجرون تحاليل أخرى لي في الحجر فرفضت الذهاب معهم (أنا هم عطت بيهم احجيلك بصراحة أنا رجال عسكري وعطت وياهم) ثم لم أرافقهم ورجعت إلى البيت وهم لم يعاملوني بخشونة وتعاملوا معي بلطف وقالوا لي هدئ من أعصابك”.
وأكمل بالقول “عدت إلى المنزل وأرسلنا عمنّا (دكتور طالب) للتفاهم معهم فأخبروه أنهم لا يريدون منا شيئا سوى ذهابنا إلى المستشفى فعندها وافقت على الذهاب معهم لأني لا اشعر بشيء وأريد أن ارتاح أيضا لأني أخشى لو ذهبت إلى الدوام إن زملائي لا يقبلون أو الضابط المسؤول”، موضحا “لدى وصولنا إلى المستشفى بدأت الفحوصات والإجراءات لكن تعاملهم معنا ليس جيدا لأن عندنا نساء واحدة منهن زوجة أخي التي ولدت قريبا، فنحن الوجبة الثانية التي تم حجرها .. عددنا 37 شخصا (17 رجلا و20 امرأة) حاليا أنا وزوجتي في الحجر فهي في مستشفى الجمهوري وأنا في المدينة الرياضية وعندي أطفال أيضا لكن الفحوصات أظهرت عدم إصابتهم ولهذا لم يتم إيداعهم الحجر”.
ويكمل عبد الزهرة المالكي تعقيبا على سؤال المربد بماذا تشعر الآن؟..
“لا اشعر بأي شيء أبدا حتى الآن ( وآنا هسة عندي قدرة على كلشي لو تكلي أي شي .. اركض ركاض)..وليس لدينا مشكلة بالبقاء في الحجر حتى التأكد تماما من سلامتنا أنا وكل أولاد عمي الذين معي الآن” (ختم حديثه).
وهكذا ينتقل الحديث إلى ابن عم عبد الزهرة ( وسام مزيد جاسم المالكي) من مواليد 1987 ليروي رحلته من عزاء الهارثة واسع الصيت إلى الحجر في المدينة الرياضية فيقول: “من عائلتي يرقد حاليا في الحجر، أبي وأمي وثلاث أخوات وباقي إخواني مجموعنا 9 أشخاص فأنا ووالدي في حجر المدينة الرياضية أما أمي وأخواتي الثلاثة ومعهن احد أخوتي فأبقوهم في مستشفى الجمهوري (البصرة التعليمي)”.
ويسترسل وسام “بقينا في المستشفى يومين ونقلنا بعدها إلى المدينة الرياضية منذ يومين أيضا، لكن وضعنا في المستشفى كان أفضل من حيث المتابعة الطبية وإعطاء الأدوية والتعقيم أما هنا (في المدينة الرياضية) فالوضع سيء لا تعقيم ولا أدوية ولا متابعة طبية ورائحة الغرف بشعة”.
واستطرد بالقول: “اخذوا عينات من دمنا للتحليل منذ نقلنا إلى المدينة الرياضية ولم يتم إعلامنا بالنتائج إلى الآن ولم يتم متابعتنا طبيا لذلك نحن غير مصابين والدليل عدم وجود أعراض صحية ولم يزرنا طبيب لذا نرى من الأفضل الآن إن نخرج إلى بيوتنا .. نحن لا نشعر بأي شيء (اليكلك اكو كرونا كله جذاب مابينا شي)” (ختم حديثه).
ومن خلال ذلك يتضح أن بعض أولاد العم تم حجره قبل أربعة أيام ولكن عوائل أخرى من الأقرباء أودعوا الحجر قبل يوم واحد فقط من بينهم (علي كاظم فالح المالكي) الذي يرقد في المدينة الرياضية، ويأخذنا هو الآخر في قطار رحلة كورونية ليقصّ قصّته قائلا: “أنا من مواليد العام 1982 ودخلت الحجر في المدينة الرياضية يوم أمس ظهرا حيث لم يتم إجبارنا على الفحص أو الدخول إلى الحجر الصحي من قبل الفرق الطبية بل أنهم اتصلوا بي يوم أمس قالوا إن اسمك ظهر لدينا (نتائج التحليل) فقلت لهم (صار) وأخذت ما يلزمني من احتياجات وتوجهت إلى المركز الصحي فوجدت الإسعاف التي أقلتني فتوجهت بي إلى حيث أنا الآن في الحجر”.
وعاد قائلا “في البداية ذهبت أنا وعائلتي إلى المركز الصحي (مستوصف شهداء الحشد الشعبي) فأخذوا عينات من دمنا وبعد 15 دقيقة صاحوا باسمي وقالوا اذهب إلى منزلك فنتائجكم سليمة، لكن بعد خروجي من التحليل اتصل بي عمي وطلب مني للتأكد أكثر والاطمئنان أن يؤخذ مني مسحة (عينة دم) وهكذا أُخذت مني العينة لأني مطمئن ولا شيء عندي لأُفاجأ بوجود اسمي في اليوم التالي ضمن القائمة التي تضم المصابين فتم نقلي إلى المستشفى حيث أخذوا مني عينة جديدة للفحص ثم تم إعطائنا أربع حبايات لنُنقل بعدها إلى المدينة الرياضية”.
وتابع “بعد نقلنا لحجر المدينة زارتنا طبيبة مساءا فقلت لها أنا مصاب بالسكري فقالت لي لا تفطر صباحا (لا تتريك) ليتم إجراء تحليل السكر وحتى الآن لم يأتي احد لإجراء الفحص (حتى وقت إجراء الحوار في الساعة 4 عصرا) رغم إني اشعر بأعراض ارتفاع السكر ولا توجد أية متابعة أبدا لحالتنا”.
وردا على سؤال المربد متى ظهرت الإصابات لديكم وما هي صلة قرابتك بالمتوفى؟
بين علي المالكي “جميع الإصابات ظهرت عندنا بعد الفاتحة حيث إن المتوفى هو ابن عم والدي لكن الفاتحة مضى عليها أكثر من 20 يوما ونحن عندنا امرأة من عمومتنا مصابة بمرض الربو والموسم الحالي هو موسم الربو فاختنقت تلك المرأة حيث أخذها احد إخوتها إلى المستشفى فشكوا هناك بحالتها (كلولة كذا وكذا وسووها عليه ظلمة) ليتم تحويلها إلى مستشفى الجمهوري الذين شخصوا أعراضها بأنها مصابة بفيروس كورونا وقرروا فحص لكل المنطقة على اثر ذلك وكل ما حصل هو بعد الفاتحة قبل حوالي 7 أيام”.
واسترسل بالقول “تلك المرأة هي من نفس المنطقة وكانت في مجلس العزاء مع النساء، ويقولون إن هناك إصابة من خارج القضاء لكننا لا نعلم ولا نستطيع أن نتحدث بشيء لا نعرفه”.
المربد سألته لماذا أقمتم مجلس عزاء (فاتحة)؟
قال المالكي “للأمانة لم نقم مجلس عزاء (ما سوينه فاتحة والله) لا للرجال ولا للنساء ولكننا كمنطقة واحدة وأحدنا قريب من الآخر والمتوفى هو شيخ ومعروف فماذا تتوقع من الناس (محد يجيك؟!) ومع ذلك لم يأتي لتعزيتنا سوى أبناء المنطقة (أولاد العم) وأما أصدقائنا من خارج المنطقة فقد أبلغناهم بعدم إقامتنا لمجلس الفاتحة فلم يأت ألينا احد من خارج المنطقة ولكن حصل ما حصل ونطلب منكم الدعاء”.
وهنا ينتهي حديث بعض المصابين الذين يشغلون حاليا حوالي 3 فنادق في المدينة الرياضية يطالبون بعلاج أو متابعة طبية مشيرين إلى أنهم نظموا تظاهرة داخل الحجر يطالبون بذلك.
المربد تشير في ختام هذا التحقيق إلى أنها نقلت نص حديثهم الذي حصلت عليه هاتفيا وقد احتفظت ببعض العبارات الأصلية على لسان المتحدثين حفاظا على الأمانة الصحفية أو لعدم وجود بديل لتلك الكلمات في اللغة الفصحى.