باختصار : بين اليهودي والصهيوني

1

زهير ماجد

منذ اهتمامنا بالقضية الفلسطينية، وكانت الوحيدة التي تشعبت منها قضايا في أوقات لاحقة، كنا نقرأ للبعض من الذين فرقوا بين الصهيوني واليهودي، وقلة من أصروا على أن كل يهودي هو صهيوني بالضرورة.
قبل أيام فاجأ حسن نصرالله بوجهة نظر قديمة جديدة حين فرق بين الصهيوني واليهودي، ودعا كل يهودي إلى الخروج من الكيان المحتل .. تلك اليقظة التي جاءت في موعد الشكوك حول إمكانية حرب قد تشنها إسرائيل على لبنان، تكاد تؤكد أن ثمة حربا بالفعل، وإلا لما كانت فكرة نصرالله تقال الآن.
نحن أكثر ميلا للاعتقاد بأن لا حرب على المدى المنظور، مع أن وجود شخص نتنياهو على رأس الحكم لا يعفينا من إمكانية قيام حرب مفاجئة قد تكون أسبابها غير تلك التي تستدعي قيامها بالفعل، وقد عودتنا إسرائيل على هذا الأمر، واجتياح لبنان عام 1982 لسبب تافه ما زال يطبع ذاكرتنا.
نصرالله اقترب كثيرا من نقطة مركزية سوف تشغل داخل إسرائيل، مع أن كل يهودي حين يتم “خض” عقله يتذكر أن فيه من الصهيونية ما يجب أن يجعله متمسكا بإسرائيل، وأحيانا العكس تماما. الشخصية الإسرائيلية لم تعد تلك المتماسكة، وإنما تلك القلقة التي تريد ولا تريد، تذهب ولا تذهب، مزيج من الصهيونية واليهودية أم ماذا؟ .. أسئلة حائرة في وجدان قلق يعيش على الأوهام، ثم يعيد اجترار نفسه ليسلك طريق الحقائق فلا يجد سوى سراب مجبول بالواقع.
قد يرد كل يهودي على نصرالله بأنه أيضا صهيوني إذا ما تعلق الأمر بمستقبل إسرائيل، لكن الطبعة الثانية من شخصيته، تنظر إلى شخصية نتنياهو المتورمة التي يكرهها نصرالله جدا جدا وبشكل شخصي، فلا يقتنع بأن هذا الرجل قادر على تخليصه من قلقه ومن المعنويات التي تتأرجح، وأن يحقق له ذات يوم سكوتا تاما لنصرالله الذي خلق عنده كل هذا التشوش.
رغم المآسي العربية الحالية، إلا أن العربي يرى أمامه معارك مصيرية عليه أن يقطعها تماما وإلا ذهبت بلاده وذهب رأسه معها، فهو بالتالي مشغول بقيم كبرى عليه أن يدفعها نقدا وفي رحلة الوفاء الوطني، أما الإسرائيلي فهو غارق في نظريات بين الإمكانية وعكسها، بين الوضوح وغبش العيون، بين أن يضع كل بيضه في سلة رجل اسمه نتنياهو وهو قد جرب غيره فأنزل بإسرائيل هزيمة قامت على هزيمة أسبق.
لا بد أن تحتل توصيفات نصرالله عقل الإسرائيلي فيفهم حقيقته، هل هو صهيوني أم يهودي؟ أم هل هو مزيج؟ أم أنه لا يعرف إلا في اللحظة المناسبة إلى أي فكرة يميل؟ ولهذا تصبح مخاطبة نصرالله لهذا الإسرائيلي العائم على ضباب فكرة إضافية في تشوشه وزيادة في قلقه وفي غربته عن نفسه وعن ذاته وعن ذوات الآخرين المقربين إليه.
إنها إسرائيل التي في كل فرد فيها مقاتل من هذا النوع، فكيف لها وهي غير جاهزة لصراع فاصل أن تمشي إليه، بل هي تريد وتحلم وتتمنى وتعمل باجتهاد على معركة سريعة جدا وهي تعرف أن الأمر عسير عندما يخوض خصمها حزب الله حرب وجودها.
في كل الأحوال، كان لا بد من إضافة ضربة على رأس الإسرائيلي لتجعله يزيد في تشوشه، وإلا ما هي مهمة الحرب الناعمة التي عادة ما تسبق حروب الميدان، ومن ينتصر فيها يربح الميدان.

التعليقات معطلة.