أ.د. عامر حسن فياض
إنّ نشدان العدالة بصورة عامة والعدالة الاجتماعية بصورة خاصة لم يتأتَ دفعة واحدة بل على دفعات استغرقها تطور تاريخي طويل، والامر الجديد في العمل من اجل تلمس العدالة وتحقيقها، هو ربطها بالحرية. كما ان العدالة لم تعد تطرح بمعزل عن الديمقراطية والمواطنة. فما عاد خطاب العدالة منصبا على فكرة الاخلاق والحياة الاخلاقية فقط او على فكرة اليوتوبيا المثالية بل تطور هذا الخطـاب، في ضوء المعطيات العملية والمرجعيات الفكرية الحديثة والمعاصرة لينصب ايضا على الحياة السياسية والاجتماعية.
من هنا تتأتى اهمية الطلب اللامحدود على العدالة والعدالة الاجتماعية من قبل الافراد والجماعات في كل مكان فيه انسان. وهذا الطلب اللامحدود للعدالة والعدالة الاجتماعية اصبح ضرورة ملحة في زمن العولمة الرأسمالية إذ مزقت ظاهرة عدم المساواة نسيج المجتمعات بما في ذلك المجتمعات الديمقراطية والتي تريد ان تصبح ديمقراطية بما في ذلك مجتمعنا العراقي.
إنّ الاهتمام بالعدالة الاجتماعية يتأتى لان العدالة ترتبط بكيان الانسان كانسان كان وما يزال يعطش، دائما، للعدالة ويشتاق اليها، لانه يجد فيها كرامته وانسانيته. وقبال ذلك يكره الانسان الظلم والعدوان والطغيان ويرفضه ويسعى الى الابتعاد عن الاحوال التي تصنع اللامساواة والاضطهاد والدونية وتفاوت الناس وانقسامهم الى مستكبرين متجبرين ومستضعفين مقهوريين.
إنّ البحث في العدالة وفهمها من منظور سياسي واجتماعي يراد منه ابعاد العدالة عن دائرة المثالية الاخلاقية والترف الفكري المجرد، فما عاد ممكنا في عصرنا عدم ربط العدالة بالعدالة الاجتماعية القائمة على تقليص الهوة بين الاغنياء والفقراء عبر التساوي في الفرص مضافا اليه تصحيح الفجوات الاجتماعية الناجمة عن هذه الهوة بواسطة تصحيح التوزيع للخيرات المالية بموجب الحاجات والاستحقاقات التي تقاس بالكفاءة والمؤهلات ومساهمة الانسان في الخير العام والتنمية التي تمكن فئات المجتمع المختلفة للانطلاق من نقاط شروع متساوية نسبيا اساسها الحرية في الخيارات (امكانيات وفرص) وتمكين الناس من صوغ خياراتهم.. وفي ضوء هذا المفهوم للعدالة الاجتماعية تمت صياغة مقولة (التنمية حرية) عند عزمي بشارة في اجابته عن سؤال ما العدالة؟
وعلى الرغم من ان شعوب بلدان المنطقة ومنها العراق خرجت او تريد أن تخرج ضد الظلم وضد الاستبداد وضد الفساد، اي خرجت من اجل العدالة ومن اجل التحرر من قيود الادلجة الاحادية فقد لاحظنا أن هناك شبه غياب للاهتمام السياسي وللبحث السياسي في العدالة وتطبيقاتها في خطابات معظم القوى السياسية رغم الزيادة اللافتة التي شهدتها اخيرا اعمال غربية وشرقية مهمة تتعلق
بالعدالة.
وعليه فمن واجب العقل السياسي الخوض في بحث العدالة بوصفها البديلة لانظمة الاستبداد التي اخذت تتزعزع اركانها في ايامنا الحاضرة والاتية، ويأتي هنا دور الباحث السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي في دراسة موضوعات العدالة والعدالة الاجتماعية بمنهجية تجمع بين مبادئ قيمية مختلفة ونظريات سياسية اجتماعية متعددة.. كما على القوى السياسية في انظمة داخلية وبرامج سياسية وممارسات عملية ان تلتفت جديا الى اطروحة العدالة والعدالة الاجتماعية وان كان بعضها قد اهتم بالاشارة الى هذه الاطروحة ومقترباتها ومشتقاتها بشكل عابر احيانا وخجول في اكثر الاحيان، والا فإن سؤال العدالة والعدالة الاجتماعية سيظل سؤالا صعب الاجابة مالم تدخل العدالة والعدالة الاجتماعية في سُلم اولويات شعبنا وقواه السياسية الوطنية ليحتل حيزا كبيرا في تفكير واهتمام الحركات الاجتماعية والسياسية لا بوصف العدالة قيمة اخلاقية عامة مجردة بل حقيقة نتلمسها في تلمس المساواة وتكافؤ الفرص والانصاف والمشاركة والحرية ورفض الظلم والاستبداد واعتماد التعددية والقبول بالاخر المختلف والتسامح واحترام حقوق الانسان واستقلال القضاء واستقلالية الجامعات ومحاربة الارهاب وتجريم وتحريم وتأثيم الفساد والفتن الطائفية والتعصب القومي والحد من البطالة ومكافحة الفقر والامية وغيرها من السياسات التي تنتهي بالنتيجة الى الادارة العادلة للشأن العام في الدولة.