ثقافة في المزاد

1

 
حسن النواب
 
بيان‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬للأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬واضحًا‭ ‬وصريحاً‭ ‬وشجاعًا،‭ ‬حين‭ ‬رفض‭ ‬الأهواء‭ ‬السياسية‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفين‭ ‬وطالب‭ ‬بإخراج‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي،‭ ‬وكان‭ ‬لهذا‭ ‬البيان‭ ‬الرصين‭ ‬استجابة‭ ‬واعية‭ ‬ورائعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الذين‭ ‬برهنوا‭ ‬على‭ ‬تعاطفهم‭ ‬مع‭ ‬هموم‭ ‬وتطلعات‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬حرجة‭ ‬تمر‭ ‬فيها‭ ‬البلاد،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لوقوف‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬مع‭ ‬رغبات‭ ‬المثقفين‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬مرشَّح‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬پاريس‭ ‬سوى‭ ‬‮٥٧‬‭ ‬صوتاً‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان،‭ ‬وسطع‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬المثقفين‭ ‬والفنانين‭ ‬والصحفيين‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬حقيبة‭ ‬الثقافة‭ ‬بعهدة‭ ‬الأخ‭ ‬عبد‭ ‬الأمير‭ ‬الحمداني،‭ ‬الابن‭ ‬الشرعي‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الإبداع‭ ‬العراقي،‭ ‬وابن‭ ‬أرض‭ ‬سومر‭ ‬وأكواخ‭ ‬القصب‭ ‬الذي‭ ‬نهل‭ ‬حروفه‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬طينية‭ ‬رابضة‭ ‬على‭ ‬إيشان‭ ‬هور‭ ‬الحمَّار‭.‬‭ ‬والذي‭ ‬تعرَّض‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقال‭ ‬من‭ ‬زبانية‭ ‬الطاغية‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬طالباً‭ ‬جامعياً‭ ‬يدرس‭ ‬بشغف‭ ‬آثار‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭. ‬لكن‭ ‬المؤلم‭ ‬أنَّ‭ ‬هناك‭ ‬ثلَّة‭ ‬مريبة‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬منافعها‭ ‬الشخصية؛‭ ‬استفاقت‭ ‬الأحلام‭ ‬الصدئة‭ ‬برؤوسهم‭ ‬لنهب‭ ‬حقيبة‭ ‬الثقافة‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬الطارئين‭ ‬على‭ ‬بيتنا‭ ‬الثقافي‭.‬‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬وصلتني‭ ‬بعض‭ ‬الرسائل‭ ‬المخجلة‭ ‬والمكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬المريبة‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفاشلين‭ ‬الذين‭ ‬يتصيدون‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬الأجاج؛‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬تصل‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يريد‭ ‬الاستئناس‭ ‬برأيي‭ ‬حول‭ ‬عزمه‭ ‬الترشيح‭ ‬للوزارة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬طلب‭ ‬بدون‭ ‬مقدَّمات‭ ‬دعمي‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬يتسنَّم‭ ‬كرسي‭ ‬الوزارة،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬اقترح‭ ‬عليَّ‭ ‬اسماً‭ ‬بعينه‭ ‬يجدهُ‭ ‬هو‭ ‬الأنسب‭ ‬لقيادة‭ ‬زمام‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬للذين‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬كتابة‭ ‬جملة‭ ‬صحيحة؛‭ ‬ويحدوهُ‭ ‬الأمل‭ ‬أنْ‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الوزارة‭ ‬معتمداً‭ ‬على‭ ‬أوهامه‭ ‬الدنيئه؛‭ ‬بالوقت‭ ‬الذي‭ ‬اكتنف‭ ‬الصمت‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬وانهمكوا‭ ‬في‭ ‬غرفهم‭ ‬المظلمة‭ ‬والمريبة‭ ‬لتجهيز‭ ‬طبخة‭ ‬جديدة‭ ‬لكرسي‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬سقطتْ‭ ‬قطرة‭ ‬الحياء‭ ‬من‭ ‬جبينه‭ ‬واندفع‭ ‬بحماس‭ ‬لتحشيد‭ ‬الأصوات‭ ‬لشخصيته‭ ‬الهزيلة‭ ‬أملاً‭ ‬بامتلاك‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬فتحوا‭ ‬المزاد‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬وكأنَّ‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬غنيمة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الشورجة؛‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬أنَّ‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬الحقيقي‭ ‬مازال‭ ‬يطالب‭ ‬بحماس‭ ‬بقاء‭ ‬الأخ‭ ‬الحمداني‭ ‬ربَّاناً‭ ‬لسفينة‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تبحر‭ ‬رويداً‭ ‬رويداً‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الإنجازات‭. ‬ولكم‭ ‬أنْ‭ ‬تعودوا‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتتأكدوا‭ ‬من‭ ‬محبة‭ ‬المثقفين‭ ‬للوزير‭ ‬السومري‭. ‬لقد‭ ‬آلمني‭ ‬أنَّ‭ ‬بعض‭ ‬الذين‭ ‬تعاطف‭ ‬معهم‭ ‬الأخ‭ ‬الحمداني‭ ‬ومنحهم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحلموا‭ ‬به‭ ‬مطلقًا،‭ ‬بدأوا‭ ‬يعملون‭ ‬بالسر‭ ‬لنيل‭ ‬حقيبة‭ ‬الثقافة‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المبدعين‭ ‬تُمثِّل‭ ‬قنديل‭ ‬الطريق‭ ‬لحكومة‭ ‬الكاظمي‭ ‬ومرآة‭ ‬الوطن‭ ‬للشعب‭ ‬وسفيرها‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭. ‬وأقولها‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭ ‬إذا‭ ‬غادر‭ ‬الأخ‭ ‬الحمداني‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬فسيكون‭ ‬المبدعون‭ ‬مثل‭ ‬الأيتام‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬اللئام،‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬جاءت‭ ‬لنا‭ ‬الأحزاب‭ ‬بشخص‭ ‬مجهول؛‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬ثوب‭ ‬الكلمة‭ ‬الحرَّة‭ ‬وغريب‭ ‬عن‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬ويجهل‭ ‬هموم‭ ‬المبدعين‭ ‬وتطلعاتهم‭. ‬وأقول‭ ‬للطارئين‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يلهثون‭ ‬خلف‭ ‬كرسي‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة،‭ ‬إنكم‭ ‬مثل‭ ‬الساعي‭ ‬خلف‭ ‬سراب،‭ ‬وأنَّ‭ ‬كل‭ ‬طبخاتكم‭ ‬السرية‭ ‬والمريبة‭ ‬والدنيئة‭ ‬طعامها‭ ‬فاسد‭ ‬ومحترق،‭ ‬وسوف‭ ‬تتجرعونهُ‭ ‬علقمًا‭ ‬وحدكم،‭ ‬لأنَّ‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬لحمها‭ ‬عسير‭ ‬الهضم،‭ ‬ولا‭ ‬تليق‭ ‬إلاّ‭ ‬بأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يشبهون‭ ‬اللقى‭ ‬السومرية‭. ‬سيكشف‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬يتصيدون‭ ‬المغانم‭ ‬في‭ ‬الغرف‭ ‬الفاسدة،‭ ‬وسيهزم‭ ‬الطارئين‭ ‬على‭ ‬محراب‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية‭ ‬التي‭ ‬نرفض‭ ‬بشدَّةٍ‭ ‬أنْ‭ ‬تباع‭ ‬بالمزاد‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬والانتهازيين‭ ‬على‭ ‬قدسية‭ ‬الكلمة‭ ‬والعابثين‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الإبداع‭ ‬العراقي‭. ‬صوتنا‭ ‬لن‭ ‬يهدأ‭ ‬حتى‭ ‬تبقى‭ ‬الثقافة‭ ‬للمبدعين‭ ‬والله‭ ‬مع‭ ‬المثقفين‭ ‬الأصلاء‭ ‬والنبلاء‭ ‬والأنقياء‭ ‬وحاملي‭ ‬لواء‭ ‬الكلمة‭ ‬بشهامة‭ ‬العراقيين‭ ‬الشجعان‭. ‬والأمل‭ ‬كبير‭ ‬بأعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬ابن‭ ‬سومر‭ ‬الحمداني‭ ‬قنديلًا‭ ‬‭ ‬يضيء‭ ‬خيمة‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية،‭ ‬عسى‭ ‬أنْ‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬مهجري‭ ‬البعيد‭ ‬والغبطة‭ ‬تملأ‭ ‬صدري،‭ ‬إذْ‭ ‬أنَّ‭ ‬كل‭ ‬مثقف‭ ‬عراقي‭ ‬أصيل‭ ‬هو‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬وليس‭ ‬الحمداني‭ ‬وحده‭ ‬فحسب؛‭ ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬

التعليقات معطلة.