المغامر التركي يصل الصومال

1

أحمد بديوي

يميل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للمغامرة .. 12 عاما أمضاها، ولا يزال، في تجاربه المثيرة للجدل شرقًا وغربًا، في نوفمبر 2002، بدأ مغامرته الأولى .. تنكر للشرق العربي (الظهير الطبيعي لتركيا) وراح يقدم نفسه لعواصم غربية، طمعًا في تحقيق حلم الالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
الأوروبيون أذكياء .. لا ترضيهم البهرجة السياسية والدبلوماسية الزائفة .. لا يعترفون بشعار: “كله تمام” .. أغلقوا الباب في وجه أردوغان .. الرجل حاول التغرير بالجميع (داخليًا، وإقليميًا) لإخفاء اقتناعاته المتشددة، ونزعة تعبر عنها أفعاله .. ظل يعتقد أنه في الأمان بـ”توصية أمريكية” من جورج بوش الابن عام 2003.
لهذه التوصية حكاية.. كانت جزءًا من سلسلة وعود مستقبلية، سمعها أردوغان، عندما ذهب إلى واشنطن “دون صفة رسمية” .. يتذكر ذلك من تابعوا زياته الأولى، بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية التركية .. التحق حينها بوفد رئيس الحكومة، عبد الله جول؛ لتقديم فروض الولاء والطاعة للبيت الأبيض.
لا يزال، يعترف للمقربين منه أن تلك الخطوة كانت سببًا في فك الحظر السياسي عنه في تركيا.. كان أردوغان محرومًا من العمل السياسي .. الخلفيات كثيرة، ومثيرة .. لا علاقة لها بما يروجه عن نفسه من محسنات، ومظلوميات يتعاطاها الإخوان (ومن يدور في فلكهم) قبل الوجبات الثلاث .. وبعدها!
سمع أردوغان من جورج بوش تعليمات واضحة: نحن بصدد عمل كبير في المنطقة .. تسهيلاتكم مطلوبة .. سيد البيت الأبيض المدعوم بمظلومية أخرى (أحداث سبتمبر 2001) لم يطلع أردوغان على أن التسهيلات تتعلق بغزو العراق، أو أنها تخدم مشروع “الشرق الأوسط الكبير” .. ألمح فقط لمكاسب جعلت أردوغان يقول: آمين.
في حركة العلاقات الدولية، تبدو لعبة إسقاط الديون عن الحلفاء، وتحويلهم (بين عشية وضحاها) إلى نمور اقتصادية أمرًا يسيرًا .. تحتاج فقط لحالة رضا عن النظام السياسي المستهدف .. عندها يتراجع تشدد “نادي باريس”، ويتم فتح خزائن صندوق النقد .. أما البنك الدولي فيوجه بسرعة التسهيلات .. والاستثمارات.
يحدث هذا بحرص في الظروف الطبيعية، وبفجاجة في الظروف الاستثنائية .. فعلتها واشنطن مع رجلها الجديد لتجميل صورته في الداخل التركي، وسحب البساط من تحت أقدام أحزاب تقليدية، كانت ملء السمع والبصر. أما الترويج الإقليمي، فقد تكفلت به تنظيمات وجماعات وميليشيات، وملايين الدولارات لشركات علاقات عامة.
أمريكا التى راحت تلعب منفردة على الساحة الدولية (بعد سقوط الاتحاد السوفيتي) نقلت تركيا من متصدر قائمة الدولة الأكثر مديونية لمؤسسات التمويل الدولية إلى مجموعة العشرين .. كان الاقتناع أن مساعدات الحليف التركي تدعم “الأحادية الأمريكية”، وتخدم استراتيجيا ما يعرف بمشروع “القرن الأمريكي”.
منذ زيارة واشنطن المثيرة للجدل حتى مخطط تفكيك وتفتيت سوريا، جرت في بحر الحياة مياه كثيرة، تعددت خلالها مغامرات أردوغان .. قبل أيام من غزو العراق 2003، حاول تصدير صورة المنتصر للمؤسسات الديمقراطية .. أعلن جهرًا أن قرار فتح القواعد العسكرية التركية للعتاد الأمريكي يحتاج موافقة برلمانية.
صفق من صفق، وهلل من هلل، ممن تغيب عنهم الحقائق.. ممن لا يعرفون أن جيوش الغرب (الأمريكي- الأوروبي) تنعم بـ”إقامة مريحة”.. تحظى واشنطن تحديدًا بتسهيلات كبيرة (قواعد عسكرية .. مراكز رصد وإنذار مبكر .. مراكز اتصالات لاسلكية.. محطات تجسس متقدمة…).
إنجرليك (التى تساعد الجيش الأمريكي في مسرح عمليات شرق البحر المتوسط) مجرد واحدة من عشر قواعد رئيسية (تتصدرها: أزمير .. إرهاتش .. باطمان…) و26 قاعدة ثانوية تستخدمها قوات أجنبية في تركيا .. يتم هذا بترحيب “الرئيس- الخليفة”، حامل لواء الدفاع عن الإسلام والمسلمين!!
ثمة مغامرة جديدة ينفذها أردوغان أخيرا، بدأت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى قاعدتي “الريان” والعديد” على أطراف الدوحة، بحجة تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك؛ لكن الأكثر إثارة يتمثل في سلسلة القواعد العسكرية التركية فى قطر والصومال والعراق، والوجود العسكري شمال سوريا!
التخطيط لمشروع الانتشار العسكري المشترك بين تركيا وقطر، استغل ما يعرف بـ”الربيع العربي” عام 2011 .. جاء في سياق تشكيل نظام إقليمي جديد، يعتمد على تركيا، ودور مميز لقطر وجماعة الإخوان، دون تعارض مع طموحات إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وحشد “الكراهية الطائفية” الشيعية في سوريا واليمن والبحرين وقبلهما العراق، ولبنان، تمهيدا لصدام سني – شيعي يقوم بتفكيك ما تبقى من المنطقة.
من هنا نفهم، لماذا طالبت تركيا مجلس الأمن الدولي، عام 2013، بفرض عقوبات على مصر، ومحاولة استنزافها عبر الحدود الليبية، ودعم الإرهاب فى سيناء، قبل أن ترد مصر بقوة على مواقع التنظيمات الإرهابية في مدينة درنة الليبية، وتجفف منابع الإرهاب فى سيناء؟
غير أن ثورة 30 يونيو أطاحت بجماعة الإخوان من السلطة فى مصر، فضلا عن عجز الجماعة (المدعومة من قطر وتركيا) في قيادة المعارضة السورية، مع تهميشها في ليبيا، ووضعها على قوائم الإرهاب المصرية السعودية – الإماراتية، ثم المقاطعة العربية لقطر. وعليه، تلقى المشروع التآمري ضربة قاصمة، أجهضته مؤقتا.
نقول “مؤقتا” لأن قطر لم تتوقف منذ 3 أعوام عن مساعدة تركيا في بسط النفوذ العسكري في الخليج العربي، ومناطق ملتهبة في المنطقة. وعليه، فإن ما يعرف بـ “اتفاقية وضع القوات” بين الدوحة وأنقرة مجرد خطوة معبرة عن التحركات التى لم تتوقف في هذا الشأن.
الجزء الأهم في الاتفاقية يدعم “السماح بالاستخدام المشترك للموانئ البحرية والمجال الجوي، وتمركز القوات العسكرية” .. يمنح صلاحيات واسعة لمسألة الاستفادة من “المنشآت والمخيمات والوحدات والمؤسسات العسكرية”، بدليل ما تبدى بعد الأزمة الخليجية – القطرية، جراء دعم الدوحة للإرهاب..
تصنع تركيا لنفسها مناطق نفوذ عسكرية شمال العراق (معسكر بعشيقة) .. تدعم مشروع الفيدرالية المثير للجدل شمال سوريا، في حماية “قوات درع الفرات”، ودور ميداني لـ”الجيش السوري الحر .. فيلق الشام .. لواء السلطان مراد .. الفرقة 13″، التى تتلقى إسنادا بريا وجويا من الجيش التركي.
المغامرات التركية المثيرة للجدل انتقلت للصومال، بعد افتتاح أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج الحدود (قرب مطار مقديشو) .. البعض يراها مركزا متقدمًا لتسويق السلاح التركي فى منطقة القرن الإفريقي، والبعض يراها خطوة تركية متقدمة لتهديد الأمن القومي العربي من جهة الجنوب.

التعليقات معطلة.