د. أثير ناظم الجاسور
تبقى اجتماعات الدقائق الاخيرة والدواعي الحزبية التي تكتب فصول العملية السياسية في كل مرة هي الأساس في تحديد ملامح أي مشهد سياسي كان ام اجتماعي على اعتبار انهم يرون في انفسهم الرعاة الرسميين لهذه العملية التي بُنيت على مقدمات خاطئة انتجت نهايات كارثية من خلال طرح مختلف انواع الفشل وسوء الإدارة والتخطيط،
المشكلة ان الطبقة الحاكمة اليوم هي المعطل الأكبر لكل القرارات والخطوات التي قد تكون تصب في مصلحة المواطن بالرغم من ان الأخير لطالما تذيل قوائم الاهتمامات، المشكلة التي تعاني منها الأحزاب منذ توليها زمام السلطة ولغاية اليوم انعدام الثقة فيما بينهم خصوصًا إذا تطلب الامر اتخاذ قرارات مصيرية، فبعيدًا عن المحاصصة المتجذرة وخرق القوانين والفساد المتغلغل في جسد الدولة تبقى هذه الطبقة تفقد القدرة على منح الثقة لأي طرف يختلف عنها، وهذا يعكس مدى قصور النظر السياسي وبعد النظر المصلحي فهي تتحرك وفق اعتبارات الفائدة ومالك وما عليك، فمنذ تأسيس العملية السياسية بعد 2003 والحكومات نوعان اما ان تكون خالقة للازمات واما تأتي ضعيفة يطلب منها حل الازمات ناهيك عن المشكلات التي تصاحبها وارجاء حلولها لما بعدها وهكذا إلى ان تراكمت وأصبحت أزمات عصية الحل، والأزمات بطبيعة الحال هي بديهية من بديهيات تشكيل هذه الحكومات لعدم التوافق الذي صاحب تشكيلها ناهيك عن التطلعات الخارجية التي لعبت دورًا في رسم ملامحها على طول الخط، فمنذ اليوم الأول من بداية تشكيل مجلس الحكم كانت الإرادة المصلحية هي أساس توافق هذه الأحزاب التي أسست وشرعت لمجموعة من الاحكام والقضايا التي أظهرت تبنياتها الطائفية والحزبية الضيقة، بالتالي فهي وفي كل مرحلة وبعد ان سنت هذه السُنة تتوجه لأصعب الاحتمالات من اجل إيجاد مخرج من ازماتها حتى فقدت مقبوليتها تدريجًا في الشارع وحتى مناصريهم باتوا غير قادرين على إيجاد مخرج لهم، والدليل أنه في مسألة اختيار رئيس الوزراء بدلا من المستقيل عادل عبد المهدي تطلب الامر اشهرًا لخلو كل الأحزاب من مواصفات تتناسب مع مرحلة حرجة مثل التي يمر بها العراق اليوم.
المشكلة الثانية تتلخص في ان معظم القرارات التي يتم اتخاذها من قبل الكتل الحزبية تولد ميتة او اقل تفاؤلًا لتصبح معطلة بعد فترة قصيرة لاعتبارات تشاورية تليها قضايا خلافية بين هذه الكتل بالرغم من انها تأخذ وقتا طويلا للتشاور والتباحث في شأنها، مثلما تطلبت الازمة الاخيرة جهدًا كبيرًا للتفكير من قبلها لكن النتيجة لم تكن على خير ما يرام كما هي العادة، بالتالي شاهدنا أسماء طُرحت ونوقشت وشرعت لطرح برامجها السياسية مع تقديم تنازل هنا وارضاء هناك بالنهاية تصل لمرحلة اتخاذ القرار النهائي وتقف عاجزة عن إرضاء المزاج الإقليمي والدولي في ان تحصل على مباركتهم، وبهذا فان لأي قرار سيتم اتخاذه تبعات كبيرة تؤثر على سلوك وتفكير هذه الكتلة او تلك الشخصية بسبب التراكمات التي أسهمت في ان تكون كل الخيارات ضعيفة وغير منطقية وتفتقر للتوازن وتخلو من المنطق، وقد يلتمس لهم البعض نوعًا من التأني عندما يرى ان الأحزاب تعمل على قياس ردة فعل الشارع من خلال ممارسة عملية الاعتراض والقبول والتي هي بالحقيقة لا تخرج عن قضية المناكفة السياسية التي تمارسها مع كل ازمة تعصف بالعراق إضافة إلى استشعار ردة فعل الجانبين الإقليمي والدولي ايضًا من خلال كسب الوقت لوضعهما ضمن الاطار الذي يراد لها ان تكون، هذا اذا كانت تمتلك الوقت والقدرة على اللعب على هذه الجوانب المهمة، الجانب الواضح الذي لا يحتاج إلى تفسير بالنسبة لهذه الكتل انها تعرف إذا ما أعطت لأي مرشح جديد لرئاسة الوزراء الحرية في اختيار وزرائه وممارسة عمله باستقلالية ستكون بالتأكيد خارج اللعبة السياسية العراقية والإقليمية والدولية، وهذا يسبب لهم متاعب كبيرة من جميع النواحي ويساهم ايضًا بوضعها تحت المجهر مما يدفع إلى محاسبتهم بعد ان يتجردوا من الحصانة الوزارية والبرلمانية والاجتماعية التي هي بالأساس مرفوعة، بالتالي فإن اصرارهم على ان يكونوا جزءًا من أي تشكيل حكومي هو بالتأكيد لن يكون بعيدًا عن مبدأ المحاصصة الذي ساعدهم على تعزيزه الامريكان والذي ثبت أسس اركان سلطتهم.
المشكلة الثالثة والغريبة نوعًا ما ان هذه الكتل وبعد التدقيق والتمحيص والمشاورة والذهاب والإياب والاجتماعات التي تصدع الرأس والمنعطفات والانحناءات والمستديرات والطاولات تبقى ( كافيتريا مجلس النواب) والقرارات المتخذة فيها هي الفيصل لا بل الأساس في تحديد من سيمرر من الوزراء من عدمه او رفض وقبول هذه الكابينة او تلك وكأن هذا المكان هو الغرفة المغلقة المحكمة التي سيتم فيها اتخاذ قرارات اللحظات الأخيرة وفيها تم الاتفاق الأخير على تمرير الحكومة الحالية، فبعد الخلافات التي شهدتها اللحظات الأخيرة قبل انعقاد الجلسة اجتمع المختلفون في هذه الكافيتريا من اجل وضع اللمسات الأخيرة والحصول على المقبولية لها خصوصًا وان النواب انقسموا بين رافض ومتردد ومؤيد، إلا ان جلسة الكافيتريا رطبت الأجواء ووضعت النقاط الأساسية التي سينطلق منها الجميع وتحديد على من سيتم التصويت ومن سيتم رفضه، فبعد اشهر من التداول والاسماء المقبولة والمرفوضة استقر الجميع من حيث المبدأ على السيد مصطفى الكاظمي وكابينته التي تم التصويت على اغلبها مع الاعتراض على (4) وزارات وتأجيل وزارتين، وهنا تخلصنا من عقدة وزارتي الدفاع والداخلية وسنبدأ بعقد اكبر سواء بالخارجية التي من خلالها سنحدد للعالم توجهات العراق السياسية والميول والاتجاهات نحو العالم، ووزارة النفط التي ايضًا من خلالها سيتم التعرف على النشاط النفطي والاقتصادي للعراق هذا اذا ابتعدنا عن التركيز على الفساد الحاصل في الأولى والثانية.
المشكلة الرابعة ستواجهها الحكومة من خلال التعرف على نوايا الكتل والأحزاب التي ستعمل على الضغط المستمر على السيد الكاظمي واللعب على وتر الشارع كسباق فيما بينهم لإظهار وجه آخر للشعب بعد فشلهم في إدارة القضايا المهمة، والثابت في هذا الحدث المهم اصرارهم على بقاء المحاصصة للحفاظ على مكاسبهم وامتيازاتهم التي لا تساهل ولا مهادنة فيها، وسيتحمل الكاظمي تبعات سنوات الفشل والفساد المستشري وستعمل الكتل الحزبية بالمراهنة على عامل الوقت الذي قد يسعفها لوقت محدود هذه المرة، لكن الأهم في هذا الامر ان الشارع يترقب وينتظر مخرجات حكومته الجديدة التي يأملون ان تكون بعيدة على اقل تقدير عن التوجهات الطائفية والمذهبية، وان تعمل على تأسيس ارضية صحيحة لان المنطق يقول ان هذه الحكومة غير قادرة على تلبية كل المطالب بمدة قياسية لكن قادرة على ان تكون مؤسسة لكل ما هو إيجابي فيما يخص إدارة الدولة تحديدًا السياسية والاقتصادية.