جودة مرسي:
عادت نظرية المؤامرة إلى المشهد من جديد عن ماهية فيروس كورونا “كوفيدا 19″ وموقع الموجة الثانية منه، ومن المتسبب فيه خصوصا وأن السؤال الذي يتداول الآن ويلح في رأس المهتمين بتاريخ الفيروس ونشأته وعلاجه والتحصن منه هو: كيف عرف العالم وحدد ميعاد الموجة الثانية من “كوفيد19″؟ وما الجهة التي قررت أن الموجة الثانية أقوى من الموجة الأولى؟ هل التحديد بموجة ثانية وميعادها مجرد اجتهاد لعالم فلكي؟ أم أن الفيروس سبق وصوله مندوب لنستعد له؟! الإجابة المنطقية لتلك الأسئلة الاستهجانية تقول إن من صنع الفيروس يعلم جيدا أن تأثيره سيستمر إلى وقت لاحق، وأنه على العالم أن يستعد لموجة جديدة من التأثير على مناحي الحياة وعصبها وفي المقدمة منه الاقتصاد. ولمعرفة الحقيقة يجب أن لا يأخذنا الاجتهاد إلى رشق الاتهامات يمينا ويسارا بحثا عن الفاعل لهذه الجائحة التي افترست حتى كتابة هذه السطور أكثر من واحد وثلاثين مليون وستمئة ألف مصاب منهم ما يقارب المليون وفاة.
ولأننا لا نملك معلومة موثقة تؤكد أو تنفي من وراء اختراع الفيروس لا نستطيع أن نسير وراء الاتهامات التي دارت سابقا بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ودفعت الرئيس الأميركي بتوسيع دائرة الاتهام لتشمل منظمة الصحة العالمية بأنها أساءت إدارة أزمة كورونا، وقام بتعليق الاشتراكات المالية لبلاده في المنظمة والتي بلغت هذا العام فقط 400 مليون دولار، كما ألقى الرئيس الأميركي باللوم على انتشار فيروس كورونا على الصين خلال إلقاء كلمته في الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك التي عقدت بشكل افتراضي مؤخرا، ولكي لا نضع بذرة فاسدة تمثل معلومات مغلوطة لا تقل إساءة عن الفيروس نفسه، باتهام البعض لأفراد يمتلكون شركات عالمية بالمليارات أرادوا من الفيروس التحكم في الناس والتخلص من البعض منهم كما يشاع! وهو حديث بعيد عن المنطق ولا يوجد ما يسنده، فقط يذكرنا هذا الادعاء بأفلام الأكشن المصحوبة بالخيال العلمي البعيدة عن الواقع.
الشيء الوحيد المثبت هو أن الصين التي اتهمها الرئيس الأميركي ترامب بتصدير الفيروس بسبب ظهور الحالات الأولى بها في مدينة ووهان، وتصدرت في حينها أعداد الإصابات تكاد تكون قد انتهت تماما من آثار الفيروس وتم السيطرة عليه، فيما على النقيض تتصدر الولايات المتحدة الأميركية والتي اتهمتها الصين من جانبها بأنها السبب في الفيروس تتصدر دول العالم إصابة وأعدادا للوفيات، إذ وصل عدد الوفيات بها لأكثر من 120 ألف حالة والإصابات حوالي سبعة ملايين.
إن فيروس “كوفيد 19″ وموجته الثانية ما زال أكبر المخاطر الوبائية التي تهدد العالم في الوقت الراهن، فقد يكون سلاحا بيولوجيا موجها نحو أهداف ما؟ وقد يكون وباء طبيعيا نتيجة بعض الخلل في الطبيعة؟ ولأننا لم نصل لإجابة عن الأسئلة المتعددة، فالنظر إلى الشيء الثابت وهو أن الوقاية الشخصية هي أقوى الأسلحة في مقاومته وهي اللقاح الطبيعي لتجنبه. وقد استطاعت بعض الدول أن تتخطى المخاوف من المرض وقررت العودة إلى الحياة الطبيعية ولو كانت بنسبة أقل من الماضي، إلا أنها قررت عدم التهويل من تأثير الفيروس وخصوصا الموجة الثانية منه، وفتحت المجال الاقتصادي بكل مفرداته وسمحت للعملية التعليمية أن تعود لمسارها الصحيح بعودة الطلبة إلى المدارس والجامعات. فقط علينا اتباع الوصفة الطبية للعلاج بتجنب الازدحام والبعد عن الاختلاط الجماعي وارتداء “واقي الوجه” وغسل اليدين باستمرار قبل وضعها على الأنف أو العين، وهي أشياء من السهل تنفيذها لكي تعود الحياة إلى طبيعتها كما كانت، ويعود النظام التعليمي كما ينبغي، وتنتعش الحياة الاقتصادية وتعود السياحة ورحلات السفر وكافة الأنشطة الأخرى لتتراجع الأزمات، فقط على أفراد المجتمع الالتزام بهذه التعليمات البسيطة لتستمر الحياة، ويقف الجميع أمام الموجة الثانية من الفيروس، ويهزمه ويخيب أمل من يقف وراءه.
إنه ليس من المهم معرفة أسباب الفيروس، فقط علينا الا ننحدار في التفكير لمعرفة هذه الأسباب حتى لا نذهب إلى الانحدار في مقاومته، وننسى القيام بالواجبات المنوط بنا تنفيذها لعودة الحياة إلى طبيعتها، ولا يهم بعد ذلك معرفة الإجابة لأنها ليست إجبارية بل اختيارية.