الدكتور عباس هاشم صحن
اتجه العالم وفي بداية القرن الحادي والعشرين الى اتاحة أدوات المدن الذكية بين ايدي المواطنين من خلال استخدام التقنيات التكنولوجيا في إدارة وتصميم المدن وبطرق احترافية من قبل المختصين في تخطيط المدن، ولهذه التجربة أمثلة كثيرة، ففي بعض المدن الأميركية اتجه تخطيط المدن الى التخطيط المرن أو ما اطلق عليه، حينما اعادوا تخطيط مدينة ديترويت بالتخطيط الوردي أو المناطق الوردية، وهو اتجاه في التخطيط الحضري يدعم تجديد المدن القديمة، وانشاء مدن حديثة مرنه، وهناك أمثلة اخرى على مدن قائمة اتجهت لتصبح أنموذجا لمدن مستقبلية متطورة، كالمدن في سنغافورة التي طبقت نظاما تكنولوجياً مميزاً في حل مشكلة المرور والحرص على التعامل مع مساحة الارض المحدودة وعدم إهدارها لتلبي حاجة ملايين البشر بمواردها المحدودة، وبطبيعة الحال لا تقتصر التجارب الحضرية على هذه المدن، فهناك مدينة ابو ظبي ودبي في الامارات العربية المتحدة، وغيرها من المدن التي تتأقلم مع الوضع التكنولوجي والتغيير الديموغرافي للسكان، جميع هذه الدول تقوم بالتغيير من خلال الاستعانة بمخططي مدن محليين أو اجانب كونه المجال الوحيد الذي بمقدوره تغيير مشكلات المدن المعقدة وتحويلها الى حلول واقعية سلسة التنفيذ، لذا اهتمت دول العالم المتحضر بشكل متزايد بهذا الاختصاص الحيوي.
أما في العراق فقد لوحظ في العقدين الأخيرين ان عملية تخطيط المدن تجاوز على خصوصيتها الكثير من الاشخاص الذين لا يفقهوا بهذا العلم شيئا، هدفهم الربح المادي، فالاراضي الزراعية التي جٌردت وتحول جنسها الى اراض بور، قام اصحابها بالتخطيط لإنشاء مدن وأحياء غير منتظمة بكل تفاصيلها وغير منسجمة مع أبسط معايير المدن السكنية، مما أفقد المدينة خصوصيتها الحضرية وأدائها الوظيفي، فظهرت أحياء سكنية تفتقر الى أبسط الشروط والمعايير المناسبة واللائقة للسكن، هذه التحولات جعلت من المقاولون وأصحاب الاراضي الزراعية يتطاولوا على هذا الاختصاص الحيوي والمهم،الذي يعكس صورة تقدم البلد، فلا نستغرب حين دخولنا لأحد هذه الأحياء العشوائية الزراعية نرى صورة التبعثر وعدم الانسجام والتداخل في مكوناتها، ناهيك عن التجاوزات على البنى التحتية للأحياء والمدن المجاورة، والأغرب من ذلك انها تنشأ في المراكز الحيوية للمدن، كمدينة الفارابي في بغداد ومدينة الهادي في البصرة ومنطقة الكيلو سبعة في محافظة الانبار، وغيرها من المدن والأحياء المنتشرة في محافظات العراق كافة .
إنَّ الاهتمام بتخطيط المدن يعكس الصورة الحقيقية لتقدم البلد، والعراق من أول البلدان الذي اهتم بهذا المجال من خلال تأسيس أول مركز متخصص في الشرق الأوسط عام 1971 وهو مركز التخطيط الحضري والاقليمي الذي يجمع بين الاتجاهين الأكاديمي والتطبيقي ويهتم بإعداد وإنجاز المخططات الاساسية للمدن، تخرج منه مئات الطلبة من حملة الشهادات العليا متخصصة في إعداد المخططات الاساسية للمدن والأقاليم وإعداد المخططات الشاملة للمستقرات البشرية والمساهمة في تحسين وتنفيذ الخطط التنموية ورفع قدرة أجهزة التخطيط والقيام بإعداد المشاريع الإصلاحية للمدن المتدهورة، التي تنسجم مع حاجة البلد، ولكي نحافظ على جمالية مدننا، نوصي الحكومة بعدم السماح لأي جهة بفرز او تخطيط الاراضي، إلا بمشاركة ذوي الاختصاص من حملة شهادة التخطيط الحضري والاقليمي، كونهم الجهة الوحيدة، التي تهتم بهذا المجال، وتمتلك القدرة في تخطيط الحيز المكاني بطرق علمية حديثة تنسجم مع التطور التقني والتكنولوجي في العالم.